Search Icon

ثلاث مقاربات تُراوح بين «جريء» و«دعسة ناقصة»: قرار القاضي شعيتو لا يشمل كل التحويلات

منذ ساعتين

من الصحف

ثلاث مقاربات تُراوح بين «جريء» و«دعسة ناقصة»: قرار القاضي شعيتو لا يشمل كل التحويلات

الاحداث- كتب محمد وهبة في صحيفة الاخبار يقول:"ثمة مقاربات مختلفة متعلقة بتفسير قرار النائب العام المالي القاضي ماهر شعيتو بتكليف مصرفيين وأفراد آخرين بإيداع مبالغ موازية لما حوّلوه إلى الخارج أثناء الأزمة المصرفية.

لكن لا يجب إغفال أن إعلان القرار جاء في خبر منشور على الوكالة الوطنية، كما إنه محبوك بشكل يُبقي على سريّة القرار الأصلي بتفاصيله، وكذلك يحدّد مجموعة معيّنة من الجهات التي حوّلت أموالاً إلى الخارج دوناً عن غيرها، ثم أخيراً يشير إلى قيود ستضعها النيابة العامة المالية على مسألة إيداع الأموال من المحوّلين إلى الخارج.

لم يكن قد مضى أسبوعان على تسلّم القاضي ماهر شعيتو النيابة العامة المالية، حتى أصدر قراره «الجماهيري» الأول عبر خبر نُشر على الوكالة الوطنية يُفيد بما حرفيته: «بناءً على تحقيقات جارية، كلّف بموجبه الأشخاص الطبيعيين والمعنويين ومنهم مصرفيون بإيداع مبالغ في مصارف لبنانية تساوي المبالغ التي قاموا بتحويلها إلى الخارج أثناء الأزمة المصرفية والمالية التي مرّت بها البلاد وبذات نوع العملة، بهدف إعادة إدخالها في النظام المصرفي اللبناني وذلك في مهلة شهرين، بإشراف النيابة العامة المالية ووفقاً للشروط التي تضعها».

عملياً، القرار أتى بعد تحقيقات جارية في ملف كان يدرسه القاضي علي إبراهيم، وهذا هو المقصود في ما ورد في مقدمة الخبر «بناءً على تحقيقات جارية». وفي تلك المدة، كانت تحقيقات إبراهيم بشأن تحويلات إلى الخارج قد وصلت إلى مرحلة تقديم المصارف لوائح بالحسابات التي تمّت عمليات التحويل منها، وبقيمة التحويلات.

ولأن الملف مثقل بالشعبوية والمصالح المتنافرة والمنسجمة أحياناً، فقد توصّل إبراهيم والمصارف المعنية إلى تقديم لوائح بحسابات لا أسماء فيها ولا تشمل إلا الذين حوّلوا أموالاً بقيمة تفوق الـ500 ألف دولار. وليس واضحاً ما إذا كانت النيابة العامة المالية في عهد إبراهيم قد حصلت على لوائح بالأسماء من هيئة التحقيق الخاصة، أو أن بعض المصارف أفصحت عن هوية أصحاب هذه الحسابات، إنما الأكيد أن شعيتو قرّر ألا يلتزم بهذه الوضعية.

لذا طلب من المعنيين بالقرار، ويُقال إن لائحة من عشرين مصرفياً ومديراً تنفيذياً في المصارف من عدادهم، إيداع مبالغ موازية لتلك التي حوّلوها إلى الخارج «بهدف إعادة إدخالها في النظام المصرفي اللبناني وذلك في مهلة شهرين»، ثم يربط القرار بمسألة أساسية: «بإشراف النيابة العامة المالية ووفقاً للشروط التي تضعها».

وإعادة التذكير ببعض العبارات الواردة في القرار ضرورية لفهم ما ينطوي عليه في ضوء ما أثاره من جدال واسع. فهناك من سأل عما إذا كان القرار يتعلق بكل الذين حوّلوا أموالاً إلى الخارج، وآخرون سألوا عما إذا كان القرار له سند قانوني واضح في إطار قانونية أو عدم قانونية التحويل إلى الخارج في المدة التي يتضمنها.

أيضاً سأل آخرون عما إذا كانت الأموال التي ستُعاد إلى المصارف ستعتبر «فريش» أم تصنّف ضمن الأموال المجوزة في المصارف. وأُثير أيضاً سؤال آخر عن الهدف السياسي من القرار بوصفه شعبوياً لقاضٍ معيّن حديثاً على رأس النيابة العامة المالية، أم أنه قرار يحتمل الكثير من الجديّة.

وفي الإطار السياسي أيضاً، ثمة من فسّر الأمر بأنه رسالة إلى الخارج، وتحديداً في إطار ما هو مطلوب من لبنان من منظمة «فاتف» التي أدرجت لبنان على اللائحة الرمادية معلّلة الكثير من الأسباب بالضعف القضائي اللبناني.

هل سيتم استدعاء شخصيات دينية وسياسية وإعلامية وقضائية للتحقيق في التحويلات
وسحب الكاش

يمكن اختصار كل هذه التساؤلات، بأنها تتقاطع بين الشعبوية وبين «الدعسة الجريئة» و«الدعسة الناقصة». ويمكن أيضاً قراءة هذا القرار انطلاقاً من ثلاث مقاربات؛ وجهة النيابة العامة المالية وآليات تحرّكها، مقاربة الخبراء القانونيين، مقاربة المصارف.

مقاربة النيابة العامة المالية بحسب المعطيات المتوافرة، تفيد بأنها استكملت ملفاً كان موجوداً لديها، لكنها عدّلت في مساره الإجرائي وأصدرت قراراً سرياً، أي إنها طلبت من المصارف تزويدها بكل أسماء الحسابات المشتبه في أنها حوّلت إلى الخارج.

كذلك، ترى النيابة العامة المالية أن توسيع دائرة الشبهات لا تلزمها بشيء ولا يقيّد عمل النيابة بأي أمر، بل يمنحها مساحة أوسع للقيام بعملية التدقيق والفصل في وجود مخالفة يمكن عبرها فرض إعادة الأموال أو التساهل في هذا الأمر في حال كانت هناك مبرّرات تستدعي ذلك.

الأمر كلّه يتعلق بالتفسير الذي تتلقاه النيابة العامة من الشخص المعني بالقرار، وعلى ضوء الإفادة التي سيقدّمها سيتقرّر استئناف التحقيقات أو الاكتفاء بهذا الحدّ. أما الوصف الجرمي للأفعال، وإن كان الخبر المنشور ينطوي عل توصيف جرمي، فهو سيصدر في الآخر.

مقاربة الخبراء القانونيين، تشير إلى أن ما هو واضح من القرار أنه ليس قراراً يتعلق بصيغة النظام بمقدار ما هو يتعلق بجهات محدّدة مرتبطة بملف قضائي جاري التحقيق فيه، وهذا يعني أن ما يُقال عن انتصار للمودعين أو ضربة للمصارف ليس دقيقاً.

فالظاهر من الملف أن هناك تحويلات حصلت إلى الخارج يتم التحقيق بشأنها. توصيف الأفعال الجرمية قد يرتبط بإساءة الأمانة أو صرف النفوذ أو تبييض الأموال أو التهرّب الضريبي... لكن المسألة محصورة وليست عامة، أي إنها تتعلق بلوائح محدّدة لا تشمل كل الذين حوّلوا أموالاً إلى الخارج.

وهذا يعني أيضاً أن المعنيين بالقرار عليهم شبهة جرمية ولديهم الحق في الاعتراض والاستئناف. ويقول الخبراء، إن الرسالة التي قد يتضمنها القرار موجّهة إلى منظمة «فاتف» التي وضعت لبنان على اللائحة الرمادية ومن ضمن مبرراتها وجود ثغرات في النظام القضائي تعطّل الإصلاح والمحاسبة.

وهو رسالة أيضاً إلى الاتحاد الأوروبي الذي صنّف لبنان أيضاً على اللائحة السوداء. أيضاً هو رسالة إلى أميركا وصندوق النقد الدولي بأن لبنان «ينهض» وسيقوم بـ«إصلاحات».

أما المقاربة المصرفية، فهي مختلفة تماماً. يرى المصرفيون أن القرار لا يستند إلى أي قانون يمنع التحويل، وأن النائب العام المالي عندما ينتقي لائحة من أسماء معينة حوّلت إلى الخارج يصبح قراره شعبوياً. يسأل المصرفيون: هل سيتجرأ النائب العام المالي على استدعاء شخصيات سياسية ودينية وإعلامية وقضائية وسواها، ومنها لها وزن في لبنان، على تحقيقات تتعلق بتحويل أموال إلى الخارج؟

هل سيتجرأ على توجيه اتّهام لها، أم ستقتصر الاتهامات على رؤساء وأعضاء مجلس إدارة ومديرين تنفيذيين في المصارف؟ ويعتقد المصرفيون أنه من الضروري عدم التمييز بين التحويل إلى الخارج وبين سحب الكاش من الصندوق، إذ إنهما أمران متشابهان تماماً لجهة الحصول على الأموال الفريش.

لذا يعتقد هؤلاء أنه يجب على النائب العام المالي أن يطلب أيضاً السحوبات النقدية وألا يكتفي بالتحويلات التي لا تظهر سوى شيء من الحقيقة. وإلى جانب السحوبات النقدية، هناك التحويلات التي جرت لمصلحة جهات أجنبية، فلماذا يتم التعامل مع الداخل بطريقة مختلفة عن التعامل مع الخارج، أم أن تحويل مبلغ يصل إلى 270 مليون دولار لشخصية قطرية يختلف عن السحب النقدي لشخصية سياسية، ويختلفان أيضاً عن تحويلات قام بها موظّف في مصرف أو مساهم فيه؟

يقدّم بعض المصرفيين أمثلة كثيرة عن السحوبات والتحويلات: فهل يكون مشتبهاً فيه شخص سحب من وديعته البالغة 10 ملايين دولار، نحو مليون دولار؟ كيف سيتم التعامل مع هذه الحالة مقابل حالات تحويل تنوّعت كثيراً لأشخاص حصلوا على أموالهم وخرجوا نهائياً من النظام المصرفي في لبنان ولديهم جنسية أجنبية أيضاً، فهل ستتم ملاحقتهم في الخارج؟

إذاً، في ضوء هذه المقاربات كيف يصنّف القرار: جريء؟ شعبوي؟ دعسة ناقصة؟ هذا ما سيتعيّن على القاضي شعيتو تقديمه وإثباته في الأيام المقبلة.