الاحداث- كتبت صحيفة "الجمهورية": باقٍ من الزمن عشرون يوماً من المهلة الممنوحة للجيش اللبناني لإعداد خطة سحب سلاح «حزب الله»، فيما البلد ومنذ اتخاذ الحكومة القرارين بسحب سلاح الحزب والموافقة على أهداف ورقة الموفد الأميركي توم برّاك، تدرّج سريعاً إلى أعلى درجات التوتّر السياسي والإحتقان في الشارع. وتُعزّز ذلك أكثر فأكثر، «الرياح الصفراء» التي ضربت المستويات السياسية على اختلافها، وانتقلت بها من مربّع التفاهم الذي ساد على مدى مرحلة ما قبل القرارين، إلى مربّع سوء التفاهم بعدهما.
علاقات «معوكرة»!
وإذا كانت تلك المستويات السياسية تحاول أن تحجب سوء التفاهم في ما بينها، تارة بالحديث عن لقاءات وشيكة لم تحصل، وتارة أخرى بتسريب كلام من نوع «الاختلاف في الرأي لا يفسد في الودّ قضية»، إلّا أنّ مظاهر الجفاء تخبّر عن نفسها بنفسها، أولاً في ما يتسرّب من دواخلها من كلام صريح عن «علاقات معوكرة»، وثانياً في خطوط التواصل المباشر وغير المباشر التي اعتادت قبل «ثلاثاء السلاح» و«خميس الورقة الأميركية» ان تكون ساخنة، وشغّالة على نحو شبه متواصل بين تلك المستويات، والتي لفحتها برودة، أو بمعنى أدقّ وأوضح، صقيع غطّاها بالكامل بعد القرارين، بطبقة سميكة من الجليد الذي تصعب إذابته بالمجاملات وتبويس اللحى على الطريقة اللبنانيّة.
قراءة المشهد بعد قراري الحكومة تزداد تعقيداً، ومن يراقب الأرض، والصراع المحتدم بين مؤيدي القرارين ومعارضيهما، الذي تبدّت فيه ألوان متنوّعة من الاستفزاز السياسي والإعلامي والشارعي المتفلّت من أي روادع او ضوابط، لا يصرف كثير عناء ليدرك عمق المأزق الذي دخل فيه البلد، ويستهول مخاطر التدحرج الخطير للارتدادات، نحو منحدر مجهول، وخصوصاً أنّ هذا الصراع مذخّر بعوامل كثيرة ترشّحه أكثر فأكثر لأن يزداد احتداماً، ربطاً بما يتسارع من أحداث وحراكات، تتوازى بدورها مع تصلّب واضح على ضفتي الاشتباك، حيث تموضع كل طرف خلف متراسه، وصار أسير موقفه، فلا الحكومة، وكما يؤّكد أهل القرارين، في وارد التراجع عنهما، ولا الثنائي؛ حركة «أمل» و«حزب الله» كما بات أكيداً، في وارد القبول بالقرارين وتمريرهما. والحزب تحديداً، قال كلمته الأخيرة في هذا الأمر، بلسان رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد: «الموت ولا تسليم السلاح». واتبع هذا الكلام بتأكيد متجدّد بأنّ «الحزب لن يسلّم حتى مجرّد إبرة!».
لا حلّ في الأفق
ما تؤكّد عليه أوساط هذين الاصطفافين، هو أنّ لا حلول في الأفق، ولا مخارج من شأنها بناء مساحة مشتركة بينهما، والصخب العالي المتبادل بينهما عبر المنابر والشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي لا يعدو أكثر من مجرّد قنابل صوتية لزوم التعبئة وشحن الدعم الجماهيري والسياسي وغير السياسي، لا تغيّر في حقيقة أنّ المتمسّكين بالقرارين كما المعترضين عليهما، مصطدمان بصعوبة بلورة حلّ وسط بينهما، وبعدم القدرة على تحديد مآلات الأمور.
السؤال الذي يفرض نفسه في هذه الأجواء يبحث عن واحد من جوابين، كل منهما يغلّب منطق طرف على الطرف الآخر، ولكل منهما تداعياته المباشرة السياسية وغير السياسية على هذا الطرف او ذاك: هل أنّ ما قرّرته الحكومة، وخصوصاً قرارها بسحب سلاح «حزب الله»، سيسلك مساره نحو النفاذ مدفوعاً بـ«صدمة ما» ستحصل في وقت ما، تفرض ذلك وتعجّل به، أم أنّ الإعتراض عليه سينجح في منعه من بلوغ عتبة النفاذ، ويتركه للزمن «لا معلّق ولا مطلّق» ليقرّر فيه، فيذوب ويسقط بمرور الزمن؟
لعبة صولد
أطراف أزمة القرارين، وكما بات جلياً، دخلوا في ما تبدو انّها «لعبة صولد» شديدة القسوة، وراهنوا فيها بكلّ الرّصيد على القرارين وتداعياتهما. وفي هذا السياق، أكّدت مصادر حكومية لـ«الجمهورية»، أنّ قرار سحب السلاح قد اتُخذ في مجلس الوزراء ولا رجعة عنه، ولن يغيّر في ما قرّرته الحكومة، لا تهويل ولا حراكات عبثية في الشارع، وخصوصاً أنّ قرارات الحكومة تأتي إنفاذاً واضحاً لبيانها الوزاري الذي حظي بموافقة جميع الأطراف، بمن فيهم المعترضون، وتستجيب لما تتوق إليه الشريحة الواسعة من اللبنانيين منذ سنوات طويلة، والأهمّ من ذلك مصلحة لبنان وهيبة الدولة التي لا جدال فيها على الإطلاق.
واستغربت المصادر تصوير قرار الحكومة بأنّه يستهدف طائفة بعينها، ومن يقول ذلك يتعمّد ذرّ الرماد في العيون، وقالت: «لا يوجد شيء يمنع تنفيذ القرار، ونحن ننتظر إنجاز الجيش لخطة سحب السلاح، وفي ضوء هذه الخطة سننتقل سريعاً إلى مرحلة الشروع في التنفيذ».
ورداً على سؤال عمّا يتردّد حول أنّ الحكومة ألقت في يد الجيش كرة نار، وقد يكون له رأي آخر في ما يجري، قالت المصادر: «مثل هذا الكلام يشكّل افتراءً صريحاً على الجيش وإساءة له، عيب جداً أن يتمّ تصوير الجيش وكأنّ له موقفاً متمايزاً عن الدولة وقراراتها، فجيشنا ملتزم بالقرار السياسي، ومشهودة له وطنيته وتضحياته، ومناقبيته التي تملي عليه القيام بواجباته وتنفيذ مهماته بما تقتضيه مصلحة لبنان وأمنه واستقراره».
ورداً على سؤال آخر، تجنّبت المصادر الحكومية الحديث عن وجود فتور في العلاقات الرئاسية، وخصوصاً بين رئيس مجلس النوّاب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، إلّا انّها اشارت إلى انّه قد تحصل تباينات واختلاف في الرأي، ولكن هذا لا يعني القطيعة.
يُشار في هذا السياق، إلى أنّ زوار رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، أمس، نقلوا عنه «تأكيده على موقفه الثابت بالمضي قدماً في تنفيذ القرار التاريخي لجهة تحقيق حصرية السلاح بيد الدولة، وإطلاق مساره العملاني عبر الجيش اللبناني تنفيذاً لتعهدات خطاب القَسَم والبيان الوزاري».
لا بدّ من التصحيح
في المقابل، بات محسوماً على ضفة «الثنائي الشيعي» أنّ الأمور مقفلة، وعلى ما تؤكّد مصادر رفيعة لـ«الجمهورية»، انّه «بمعزل عمّا إذا كانوا قد اتخذوا قراراتهم إرادياً او تحت الضغط، فالنتيجة واحدة وهي أنّهم رموا في البلد صاعقاً خطيراً. وموقفنا واضح قلناه ومارسناه في مجلس الوزراء، واكّدنا أنّ الكرة ليست في ملعبنا، و«اللي طلع ع الميذنة بيعرف كيف بينزل منها».
وبحسب المصادر، فإنّه «لا أحد اكثر منّا حرصاً على البلد وسيادته وكرامته، ولذلك لا بدّ من التصحيح، بل لا مفرّ من التصحيح لمصلحة البلد، فما هو مطلوب من الحكومة هو أن تتجنّب تقديم اي تنازلات لأيّ كان، وتتخذ قرارات صائبة تجمع البلد، وليس قرارات خاطئة تفرّقه كما هو حاصل اليوم، وقبل كلّ ذلك، عليها أن تتخذ قرارات قادرة بالأساس على تنفيذها».
ورداً على سؤال قالت المصادر: «في ما خصّ القرارين، الوضع مستعصٍ ومسدود، والمداخلات الخارجية ترخي بثقلها على هذا الأمر، وهذا أمر لا يبعث على الإطمئنان، وخصوصاً انّ الخارج يدفع إلى اشتباك داخلي، وجميعنا سمعنا التأكيدات التي كرّرها توم برّاك ومفادها أنّ على اللبنانيّين أن يحلّوا هذا الأمر بأيديهم، يعني وضع اللبنانيين بمواجهة اللبنانيين، وهذا ما نحذّر منه ونسعى لتجنّب السقوط في هذا المنحدر. وأما في موضوع مشاركة «الثنائي» في الحكومة، فقد سبق واكّدنا انّ انسحاب وزراء «أمل» و«حزب الله» من الجلستين لا يعني أنّ الثنائي علّقا مشاركتهما في الحكومة، بل قرارهما حاسم بالاستمرار فيها وليسا في وارد الخروج منها على الإطلاق، إلّا إذا ما طرأ ما يغيّر الأحوال لاحقاً».
متابعة القرارين لاحقاً
في سياق متصل، وفيما يُنتظر أن ينعقد مجلس الوزراء في جلسة متعلقة بملف السلاح، في التوقيت الذي ينتهي فيه الجيش من إنجاز خطته، الّا انّه في ما يتعلق بمتابعة دراسة وإقرار الورقة الأميركية، فلا موعد محدداً حتى الآن لعقد جلسة لمجلس الوزراء حولها، بل تؤشر الوقائع المرتبطة بها إلى ترحيلها لإسبوعين، بذريعة عطلة أمين عام مجلس الوزراء والمدراء العامين في القصر الجمهوري التي أملت هذا الترحيل، من دون ان تستبعد المصادر الحكومية عقد جلسة او جلستين عاديتين لمجلس الوزراء قبل ذلك.
مواجهة أميركية – إيرانية؟!
على انّ ما ينبغي لحظه في موازاة الاشتباك الداخلي، هي زيارات الدعم الخارجي لأطراف الاشتباك، التي تتجلّى في زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت، وكذلك زيارة الموفد الأميركي توم برّاك المقرّرة مبدئياً في 18 الجاري، ويتردّد أن ترافقه الموفدة السابقة، وربما اللاحقة مورغان اورتاغوس.
فالزيارتان، وفق ما يقول مرجع سياسي لـ«الجمهورية»، «يقوم بهما عدوّان، لكل منهما أهدافه، ويصبّ كلّ منهما في مكان مناقض للآخر، وإن ذهبنا إلى صراحة أكثر، إحداهما مع سحب سلاح «حزب الله» والثانية ضدّه. وما يُخشى منه في ظل هذا التزامن بين الزيارتين، وفي هذا التوقيت بالذات بعد صدور قرار سحب سلاح «حزب الله»، هو ألّا تكون الزيارتان معزولتين عن المواجهة المستمرة بين واشنطن وطهران، ويكون في خلفيتهما أو في خلفية أحد طرفيهما الدخول أو التأسيس لمواجهة أميركية- إيرانية على الحلبة اللبنانية، تتسبّب في توتير الداخل وإشعال سجال عنيف بين حلفاء اميركا وايران في لبنان، وربما أبعد من سجال».
لاريجاني وبقائي
وكان لاريجاني قد أعلن انّه سيزور لبنان ضمن جولة قادته إلى العراق، وقال: «إنّ لبنان من الدّول المهمّة والمؤثّرة في المنطقة وفي غرب آسيا، وتربطنا منذ زمن بعيد علاقات حضاريّة وتاريخيّة مع شعبه وحكومته». وركّز على أنّ «كثيراً من العلماء البارزين والمؤثّرين في إيران قدموا من لبنان، ولذلك هناك جذور حضاريّة مشتركة بين البلدين، وهو ما جعل تعاوننا مع الحكومة والشعب اللبناني واسعًا وعريقًا، كما أنّ بيننا مشاورات بشأن مختلف القضايا الإقليميّة».
وحول الهدف من زيارة لبنان قال: إنّ «مواقفنا في لبنان معروفة منذ زمن، فنحن نرى أنّ الوحدة الوطنيّة في لبنان أمر بالغ الأهميّة يجب الحفاظ عليه في جميع الظّروف، كما أنّ سيادة لبنان واستقلاله كانا دائمًا محلّ اهتمامنا، وتعزيز العلاقات التجاريّة بين البلدين من القضايا المهمّة الأخرى الّتي نوليها اهتمامًا».
وحول الظّروف الحسّاسة الّتي يمرّ فيها لبنان هذه الأيام، قال لاريجاني: «إنّ للبنان تاريخًا طويلًا في مواجهة هذه الأوضاع، وقد خاض مؤخّرًا مواجهةً عنيفةً مع الكيان الصّهيوني، كما هو حالنا نحن أيضًا مع هذا الكيان، ولهذا فإنّ مثل هذه الحوارات يمكن أن تساهم دومًا في إرساء الاستقرار في المنطقة».
بدوره، أكّد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية اسماعيل بقائي «أنّ إيران تدعم حق لبنان في الدفاع عن نفسه أمام إسرائيل»، لافتاً الى «أنّ ممارسة هذا الحق غير ممكنة دون التمتع بقدرات تسليحية وعسكرية». الّا انّه قال: «نحن نؤمن بأنّ القرارات في هذه القضايا شأن داخلي لبناني، وعلى شعب هذا البلد، مع مختلف مكونات المجتمع اللبناني، تحديد مصالح وطنه من خلال الإجراءات القانونية والمعتمدة، والعمل على نفس الأساس».
وذكّر في مؤتمر صحافي أنّ «إيران تؤكّد ضرورة الحفاظ علي سيادة لبنان ووحدة أراضيه، وتعترف بحقه في الدفاع عن نفسه إزاء الاعتداءات الإسرائيلية». ولفت إلى «أننا ندرك الصعوبات في مجاراة كيان محتل وغير ملتزم بالقوانين الدولية، والتجربة أثبتت أنّ تجهيز الدول بالمعدات العسكرية وتعزيز القدرة الدفاعية هو الحل الوحيد لمنع الاعتداءات الإسرائيلية». وأشار إلى انّ «تجربة العيش في هذه المنطقة تثبت لنا أنّه لا یمکن کبح جماح الکیان الصهيوني إلّا بتزويد الدول بالقدرات اللازمة للدفاع عن نفسها. ولذلك، نؤكّد حق لبنان الثابت في الدفاع عن نفسه والصمود أمام الکیان الصهيوني». وقال: «هذا الحق هو حق ثابت لكل دولة، بما فيها لبنان، في الدفاع عن نفسها ضدّ عدوان الکیان الصهيوني واعتداءاته».