الاحداث- كتبت صحيفة النهار تقول:"لم يكن المهرجان الحاشد الذي شهدته ساحة ساسين في الأشرفية ليل أمس في الذكرى الـ43 لاستشهاد الرئيس بشير الجميل، الدلالة الوحيدة على تميّز هذه المناسبة للمرة الأولى بهذا الشكل وتبديل مراسمها المعتادة سنوياً انعكاسا لمناخ التبدل الكبير في الظروف التي شهدها لبنان في الأشهر الأخيرة، بل جاء متزامناً مع مناخات وأجواء ومعطيات أخرى تبدو واعدة إيجاباً لدفع دعم العهد والحكومة في مساري استعادة السيادة ودعم الجيش وعملية الإعمار سواء بسواء. ويبدو واضحاً أن الأسبوعين المتبقين من شهر أيلول مرشحان لأن يشهدا زخماً ديبلوماسياً لافتاً، من شأنه أن يعزز المعطيات المشجعة التي تركتها حركة الموفدين الأميركيين والفرنسيين أخيراً لبيروت، ولا سيما منها لجهة وضع مؤتمرات دعم الجيش اللبناني وإعادة الإعمار والاستثمار في لبنان على سكة التحضيرات العملية الجادة. فمشاركة رئيس الجمهورية جوزف عون في قمة الدوحة العربية الإسلامية اليوم، ستشكل مساهمة بارزة للبنان في بلورة الموقف الجامع من الاعتداء الإسرائيلي على قطر التي تضطلع بأوسع المساهمات في دعم لبنان. كما أن مشاركة الرئيس عون في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة اعتباراً من الأسبوع المقبل ومروحة اللقاءات الجانبية الواسعة المنتظرة له مع عدد من الزعماء المشاركين، ستدفع بصورة الدولة الجديدة التي بدأت ترتسم أمام الرأي العام الدولي انطلاقاً من القرارات المفصلية التي اتخذها مجلس الوزراء في شهري آب وأيلول.
ولعل ما يعزز من هذه المعطيات الإيجابية، أن مراسلة "النهار" في باريس رندة تقي الدين أفادت أن زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي الوزير السابق جان إيف لودريان والاقتصادي جاك دو لا جوجي المسؤول عن تنظيم مؤتمر إعادة إعمار لبنان إلى لبنان خلال الأسبوع الماضي، اتسمت بانطباع إيجابي حول ما أنجزه كل من الرئيس جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام وحكومته على صعيدي المسارين السيادي والإصلاحي. ونقلت عن مصادر فرنسية معنية في هذا السياق، أنه تم في الوقت الحاضر تبني قانونين حول الوضع المصرفي في لبنان، لكن الثالث وهو الأهم الذي لا يزال قيد المناقشة، أي قانون الفجوة المالية وتوزيع الخسائر، تبلغ الموفدان الفرنسيان من الحكومة اللبنانية أنه سينجز وسينفذ. وفي ما يتصل بالمؤتمر الخاص لدعم الجيش اللبناني، فهو سيعقد في تشرين الثاني على رغم أنه لم يتم بعد تعيين مكان عقده نهائياً، وهناك احتمال لم يحسم بعد أن ينعقد في الرياض. أما المؤتمر لإعادة الإعمار ومساعدة مستقبل لبنان، فلن يعقد إلا بعد اتفاق مع صندوق النقد الدولي والتصويت الفعلي على قانون الفجوة المالية، والهدف إنجاز القانون والتصويت عليه قبل نهاية العام، وقد توافق المانحون الذين جرى استطلاعهم على ربط المؤتمر بشرطي الاتفاق مع صندوق النقد وصدور قانون الفجوة المالية. وعلى نحو عام، غادر لودريان لبنان بانطباع إيجابي حيال إمكان تحسّن الأمور وتقدمها، خصوصاً وأن المملكة العربية السعودية التي زارها قبل لبنان أصبحت أكثر إيجابية بالنسبة إلى ما يتم إنجازه في لبنان، وأن لبنان اصبح في مرحلة أكثر إيجابية بعد خطة الحكومة والقرارات الحكومية التي اعتبرت شجاعة.
وفي البعد الآخر السيادي اكتسبت المرحلة الرابعة من تسليم السلاح في المخيمات الفلسطينية التي جرت السبت الماضي مزيداً من الدلالات البارزة. فهي جرت في مخيمي عين الحلوة جنوباً والبداوي شمالاً، بما عكس الطابع الشمولي للعملية الذي يتسع نحو كل المخيمات. وهي طاولت السلاح الثقيل لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في عين الحلوة بما شكل الإثبات على جدية العملية.
ووسط هذه الأجواء، أخذ إحياء ذكرى الرئيس بشير الجميل دلالات بارزة مع الموقف الذي أصدره رئيس الجمهورية جوزف عون، إذ اعتبر أن اغتياله "لم يكن مجرد تغييب لرئيس جمهورية أو لزعيم سياسي فحسب، بل كان أيضاً محاولة لقتل حلم لبناني أصيل، لكن الأحلام لا تموت بموت أصحابها، بل تبقى حية في قلوب الذين يؤمنون بها ويعملون على تحقيقها". وأضاف: "لقد كان الرئيس الشهيد رمزاً للعزيمة والإصرار على بناء لبنان قوي وموحد، فهو آمن بقدرة اللبنانيين على تجاوز الخلافات والعمل معاً من أجل وطن حر ومستقل، وكانت رؤيته للبنان رؤية دولة قوية بمؤسساتها، عادلة في قوانينها، متقدمة في نهضتها. واليوم، وبعد عقود من استشهاده، لا تزال المبادئ التي ضحى من أجلها من الثوابت الوطنية التي يجمع عليها اللبنانيون وأبرزها لبنان الحر المستقل السيد، لبنان الذي يعيش فيه جميع أبنائه بكرامة وأمان، لبنان القوي بوحدة شعبه وتضامن مكوناته".
بدوره كتب أمس رئيس الحكومة نواف سلام: "أكثر من أربعة عقود مرّت على اغتيال الرئيس بشير الجميّل ويبقى شعاره لبنان 10452 كلم مربع. الاغتيالات السياسية هي نقيض الحرية والديموقراطية التي نطمح اليها. ولا خلاص للبنان من ماضيه الجريح إلا بالمصارحة والمصالحة التي تُنهي زمن الإنكار والعنف السياسي".
واعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي رأس قداساً في كنيسة سيدة ايليج في ميفوق، "أن شهداءنا في مقاومتهم، لم يدافعوا عن طائفة أو حزب، بل عن وطن. ولم يقاتلوا ليزرعوا انقسامًا، بل ليستأصلوا الاحتلال ويصونوا الكيان. واليوم بعد خمسين سنة من الحرب، مطلوب منّا جميعًا أن نثبّت أنَّ تضحياتهم لم تذهب سدى، وأنَّ لبنان لا يزال قادرًا على أن يكون رسالة سلام في منطقة مضطربة". وأكد أنه "لا يمكن أن تمر هذه الذكرى دون التّوقف عند المعنى الوطني العميق، خمسون عامًا على اندلاع الحرب اللبنانيّة، وما زلنا نتساءل: ماذا علّمتنا الحرب؟ ماذا جنينا من آلامها ودمائها ودمارها. شهداؤنا هم الذين جسّدوا هذه الحقيقة بأجسادهم ودمائهم. لقد صمدوا في وجه الاحتلالات، والتّقسيمات، ومحاولات الإلغاء، وظلّوا حرّاس الوطن وسيادته. واليوم، فيما نشهد تحوّلات كبرى في المنطقة، ودولًا تنهار وأخرى تتفكّك، يبقى لبنان مدعوًّا ليؤدّي دوره الفريد كأرض رسالة وتلاقي"، لافتا إلى أن "الشّأن الوطني يتطلّب منّا شجاعة جديدة: أن نستخلص العبر من خمسين عامًا من الحرب، وأن نعمل على تثبيت المصالحات، وتعزيز السّلم الأهلي، وتنقية الذّاكرة بمسؤوليّة عمليّة تعيد الثّقة بين اللبنانيّين".
على الصعيد الميداني استهدفت غارة من محلّقة إسرائيلية منزلاً فجر أمس في حي الخرزة في بلدة عيتا الشعب -قضاء بنت جبيل. كما ألقت محلّقة إسرائيلية قنبلتين صوتيّتين باتجاه مواطنين كانوا يتفقدون منازلهم في الضهيرة في الجنوب. وعثر على محلّقة إسرائيلية كانت سقطت في بلدة حولا الحدودية.
ولوحظ أمس قيام قوات "اليونيفيل" بدورية مشتركة ضمّت جنوداً فرنسيين وسويديين في وادي الحجير، بالقرب من موقع عسكري سابق تابع لـ"حزب الله" من دون مرافقة من الجيش اللبناني.
ويُعتبر هذا الوادي من النقاط الحساسة التي كانت ولا تزال عرضة للقصف والغارات الإسرائيلية المتكررة.