Search Icon

ورطة إسرائيل في غزّة وتوريط إيران للبنان

منذ 15 ساعة

من الصحف

ورطة إسرائيل في غزّة وتوريط إيران للبنان

الاحداث- كتبت راغدة درغام في صحيفة النهار تقول:"إسرائيل في حاجة لتحويل الأنظار عن جرائمها ضد الإنسانية والقوانين الدولية والنقمة العالمية عليها بسبب تجويع المدنيين الفلسطينيين كأداة لتهجيرهم قسراً أو اضطراراً من غزة، وهي ترى أن في مصلحتها استئناف حربها الآن على "حزب الله" بسبب رفضه تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية، كما كان قد تعهّد. الأسباب وراء التوقيت عديدة، منها أن إدارة الرئيس دونالد ترامب سئمت انتظار وعود الحكومة اللبنانية بأن تنفّذ تعهدها بحصرية السلاح وباتت الإدارة جاهزة لمباركة القرار الإسرائيلي مهما كان.

 

ثانياً، أن إيران لن تتورط بحرب مباشرة مع إسرائيل لإنقاذ "حزب الله"، وبالتالي لن تتدخل لإنقاذه أو إنقاذ لبنان من الجحيم الآتي إليه بسبب احتفاظ "حزب الله" بسلاحه بالقوة وقيام إسرائيل بنزع سلاحه بالقوة العسكرية. 

 

فطهران منغمسة في خوفها من استئناف العمليات الأميركية- الإسرائيلية ضدها مع نهاية الشهر الجاري، لكنها لن تتخلى عن المكابرة ولا عن الاستمرار في استخدام الوكلاء في محورها كورقة تفاوضية مع إدارة ترامب بدفعهم إلى واجهة المواجهة. والكلام بالذات عن "حزب الله" في لبنان وكذلك عن "حماس" في غزة والحوثي في اليمن.

تتأزم الأجواء بين إدارة دونالد ترامب والحكومة الإيرانية بأدوات العقوبات الأميركية والتهديدات الإيرانية والاستعدادات الإسرائيلية وسط استنفار وكلاء إيران في لبنان واليمن وترقّب كامل المحور الإيراني من العراق إلى غزة مروراً بالعناصر التي ما زالت تقوم بعمليات تهريب الأسلحة عبر سوريا.

المشاورات ما بين الأميركيين والإسرائيليين هذا الأسبوع تركّز على الخيارات المتاحة لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، ترى إدارة ترامب أن لا مناص منها بسبب المواقف الإيرانية التي تزداد تشدداً على الصعيد النووي والصاروخي والوكلاء.

إسرائيل لن تتساهل في مسألة سلاح "حزب الله"، وهي أقنعت إدارة ترامب بأنه بحال فشل الحكومة اللبنانية في تنفيذ تعهد حصر السلاح بيد الدولة، فلا خيار آخر أمامها سوى استكمال حربها على "حزب الله" حتى لو كلّف تدمير البنية التحتية للبنان. هذا ما لم تأخذ الدولة اللبنانية زمام الأمور بيدها وتجد وسيلة لنزع سلاح "حزب الله"، لا سيّما أن قادة الحزب قد تسلّقوا إلى أعلى الشجرة بإصرارهم على أن لا مجال لتسليم الحزب سلاحه لأي كان.

إيران قلقة على مصير ذراعها المهم لها في لبنان من ناحية البنية التحتية العسكرية لـ"حزب الله"، وليس لجهة الثمن الذي تدفعه البيئة الشيعية من تهجير وتدمير بسبب إصرار طهران على احتفاظ "حزب الله" بالسلاح في وجه الدولة وسيادة الدولة. فطهران اعتادت على استخدام لبنان ساحة لحروبها بالوكالة، وهي لا تبالي إن كانت الطائفة الشيعية في لبنان هي التي تواجه تهديداً وجودياً بسبب الحرس الثوري الإيراني الذي يملي على "حزب الله"، الواضح أن ولاءه هو لإيران وليس للبنان.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد تكون في درجة الغضب والاستياء ذاتها، كما إدارة ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو، من المؤتمر الذي ترأسته السعودية وفرنسا في الأمم المتحدة في نيويورك للدفع نحو تطبيق حل الدولتين. والسبب ليس لأن العقيدة الإيرانية لا تؤمن فقط بحل الدولتين بل بتدمير إسرائيل وإزالتها، بل لأن المؤتمر كان عبارة عن حشد عالمي وراء دعم عملي للسلطة الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكان أيضاً صرخة جماعية عالمية ضد حركة "حماس"، أحد أهم الأطراف في المحور الإيراني.

هنا أيضاً، وكما لا تبالي إسرائيل بأي ثمن يدفعه المدنيون الفلسطينيون ما دامت تحقق عقيدتها وتنفّذ مشاريعها الجهنمية، فإن إيران لا تبالي بالثمن الذي يدفعه المدنيون الفلسطينيون ما دامت "حماس" تطبّق سياسة المحور التي تنطلق من العقيدة الإيرانية.

السيد دونالد ترامب وجد نفسه فجأة مضطراً للاعتراف بالمجاعة المرعبة في غزة بعدما كان قد أنكر وجودها. لم يتخذ إجراءات ضد حليفه الإسرائيلي الذي يرتكب هذه الإبادة ويتبنّى المجاعة وسيلة لفرض التهجير "الطوعي" للفلسطينيين من غزة. لكن ترامب استفاق قليلاً بعدما طوّقه جزء من قاعدته السياسية في حركة ماغا وبدأت تطالبه بوضع حد لهذه الكارثة الإنسانية.

رافق ذلك تطويق سياسي عالمي من نوعٍ آخر عندما واجه دونالد ترامب تحدّياً شخصياً من الحلفاء الأوروبيين وغير الأوروبيين الذين شاركوا في مؤتمر حل الدولتين وتبنوا البيان الختامي لشق الطريق إلى قيام دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل.

هناك خوف بالتأكيد، من النزعة الانتقامية لدى دونالد ترامب، لا سيّما إذا وجد نفسه محشوراً في الزاوية أو معزولاً على الساحة الدولية. هناك قلق من إجراءات يتخذها ضد السلطة الفلسطينية نفسها بالذات لأنها باتت الآن العربة الأولى في القطار نحو قيام الدولة الفلسطينية، إذا قامت بالإصلاحات الضرورية المطلوبة منها وإذا أحسنت توظيف هذه الفرصة بعيداً عن الفساد ودوّامة الانقسامات الفلسطينية.

إسرائيل تسعى لسحق ما حدث في مؤتمر نيويورك بكل جوانبه، وهي ترى أن السلطة الفلسطينية عثرة أمام مشاريع ضم الضفة الغربية. إسرائيل لا توافق شبه الإجماع الدولي على تفكيك "حماس" وتكليف السلطة الفلسطينية بإدارة الضفة الغربية وغزة. سياستها هي تمزيق وحدة القطاع والضفة ودعم حركة "حماس" لإطاحة السلطة الفلسطينية.

المعضلة التي يواجهها الرئيس الأميركي أمام السياسة الإسرائيلية المتطرفة تكمن في التحدي السياسي الذي يواجهه الآن على مستوى عالمي، والذي وضع مساراً لتحقيق حل الدولتين، قد يتمكن الرئيس الأميركي من تجاهله، لكن بكلفة وبثمن.

فليس أمراً بسيطاً قيام السعودية بإبلاغ المجتمع الدولي برمّته أن لا مجال لقيامها بالتطبيع مع إسرائيل سوى إذا تم تنفيذ حل الدولتين وقامت دولة فلسطينية، هذا بعدما راهن فريق ترامب وكثير من الموالين لإسرائيل على التحاق السعودية بالاتفاقيات الإبراهيمية للتطبيع بين دول عربية وإسرائيل.

تماسك الموقف السعودي المصرّ على قيام الدولة الفلسطينية أخذ بُعداً مختلفاً عندما ترأست السعودية مع فرنسا المؤتمر الذي جاء بمفاجآت على نسق استعداد بريطانيا للاعتراف بدولة فلسطين الشهر المقبل في الجمعية العامة في نيويورك، ما لم تتبنّ إسرائيل نهجاً جديداً غير ذلك الذي تعتمده الآن في غزة.

إقامة الدولة الفلسطينية لن يحدث بدون موافقة أميركية وخضوع إسرائيلي، مجلس الأمن أقر مبدأ حل الدولتين في قرارات دعمتها الولايات المتحدة مثل 1397 و1515 لعامي 2002 و2003، بلا أي تنفيذ لخريطة الطريق التي حددت 2005 موعداً لقيام الدولة الفلسطينية. إدارة ترامب تراجعت عن التزام الولايات المتحدة بهذين القرارين، ولا مؤشر في الأفق بأنها ستغيّر رأيها.

ما حدث في نيويورك هذا الأسبوع قد يؤدّي إلى دفع ترامب إلى أحضان التطرف الإسرائيلي الرافض قطعاً حل الدولتين انطلاقاً من انتفاضته ضد ما حدث من إحراج له، أو أن دونالد ترامب قد يجد نفسه حقاً مُطوّقاً ومُحرجاً وغير قادر على معاقبة هذا الحشد من الدول الذي تحدّاه من نيويورك، دولة بدولة. وعليه، قد تتأثر سياسته وتتغير. هذا يتطلب فن الاستقطاب بدقّة بالغة كي تُقدّم إلى الرئيس الأميركي الوسائل والطرق لأخذ الخطوات نحو الإجماع بعيداً عن استفزازه.

فللدول مصالح ثنائية، ولن تهرول الدول إلى التضحية بعلاقاتها مع الولايات المتحدة من أجل حل الدولتين. ما ساعد الدول على اعتلاء هذا المنبر وتبنّي المواقف غير المعتادة هو مدى الإحراج والاستياء والغضب الذي خلّفته الممارسات الإسرائيلية في غزة. لم يأتِ ذلك تقديراً لما قامت به "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بل لما قامت به إسرائيل رداً على ما فعلته "حماس".

فإعلان نيويورك صنّف احتجاز "حماس" للرهائن انتهاكاً للقانون الدولي كما صنّف الممارسات الإسرائيلية ضد أهالي غزة جريمة ضد القانون الدولي وضد الإنسانية. الدول العربية كلها وافقت على البيان الختامي الذي دان "حماس" كما إسرائيل في هذه الانتهاكات، وكان ذلك جديداً بوضوحه الكامل.

إسرائيل اليوم باتت أكثر وأكثر تحت المجهر، ليس بسبب انعقاد مؤتمر عالمي بقدر ما هو نتيجة ما كشفته عن شخصيتها، حكومة وشعباً. إنها الآن في حاجة لتحويل الأنظار عما يحدث في غزة لأنها عازمة على الاستمرار بما تفعله في غزة.

فما دامت الدول الأوروبية لا تتخذ إجراءات عقابية ملموسة ضد إسرائيل، وما دامت الإدارة الأميركية تدعمها في تنفيذ مشروع التهجير "الطوعي"، وما دامت الدول العربية ذات العلاقات معها لم تتخذ مواقف ملموسة ضدها، فإن إسرائيل ماضية بمشاريعها من التهجير إلى الاستيطان إلى الضم إلى الضرب عرض الحائط بكل المواقف الدولية بشأن فلسطين.

الإجراءات الإسرائيلية نحو لبنان وإيران أمر آخر. ذلك أن لا تعاطف دولياً مع إصرار إيران على احتفاظ "حزب الله" بالسلاح في وجه السيادة اللبنانية، ومغامرة إيران ووكيلها بسلامة دولة مستقلة وشعبها ودفعهما إلى الجحيم.

لا تعاطف دولياً مع إصرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الأُسس الثلاثة في عقيدتها - النووي والصاروخي والوكلاء - بلا تعديل أو تلطيف، وبالتالي لا تعاطف معها إذا ما تعرضت مجدداً لضربات أميركية وإسرائيلية.

لا الصين ستهرول لمعونة إيران، ولا روسيا ستقفز إلى مساعدتها ما دامت في خضم مأزقها مع دونالد ترامب الذي فرض موعداً زمنياً على رئيسها فلاديمير بوتين للتوصّل إلى سبل إنهاء حربه على أوكرانيا، وإلا فإن العقوبات ستكرسح اقتصاده وقد تكرسحه.

إيران في مأزق العقوبات الأميركية المدمِّرة أيضاً كما في مأزق الوقوف بمفردها أمام ضربة عسكرية أميركية. وكذلك "حزب الله" الذي يتظاهر بأنه استعاد قواه، لكنه لن يجد من يستمع إلى صرخة النجدة إذا ما أوقع نفسه فريسة الحاجة الإسرائيلية إلى تغيير الحديث عن غزة. فذنبه على جنبه.