الاحداث- كتبت صحيفة "الجمهورية": يحلّ عيد الجيش غداً، ولبنان ممنوع عليه أن يرسو على برّ الأمان، مخنوق ببيئة سياسية مريضة، ومَوبوء باصطفافات وانقسامات عميقة عبثت بتاريخه، ولوّثت حاضره بارتكابات وموبقات صدّعت أسسه، وألقت مستقبله في مهبّ احتمالات مجهولة، واغتالت الحُلم بوطن سيّد حرّ مستقل، فبات ساحة لتصفية الحسابات وللمداخلات من كلّ الإتجاهات. واللبنانيّون، كل اللبنانيِّين على اختلاف انتماءاتهم ومناطقهم ومذاهبهم متساوون في المصيبة؛ لم يصلوا في تاريخهم إلى ما وصلوا إليه في هذا الوقت، من قلق على مصيرهم الذي بات مرهوناً بما تقرّره وترسمه له مطابخ الخارج. وفي هذه المناسبة، يُنتظر أن يطلّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في خطابه الأول لمناسبة عيد الجيش، ليجدد الرهان على المؤسسة العسكرية ويشدّ أزرها بوصفها نقطة الجمع الوحيدة للبنانيِّين، وخشبة الخلاص والأمن والأمان والاستقرار للبنان، وذراعه الوطني للتصدّي ببسالة وإقدام للمهام الصعبة الموكلة إليه على مساحة لبنان، كلّ لبنان، وصدّ ما يتهدّده من عواصف وتحدّيات.
أمر اليوم
في العيد الـ80 للجيش، أصدر قائد الجيش العماد رودولف هيكل «أمر اليوم» للعسكريِّين، أعلن فيه: «بقلب واحد يخفق بالإيمان والأمل والاعتزاز، نحتفل بعيد الجيش الثمانين الذي يكتسب اليوم أهمية خاصة وسط ما تشهده منطقتنا من صراعات. في هذا العيد، نستحضر 80 عاماً من التفاني والتضحيات التي قدّمها العسكريّون، فنُدرك أكثر من أي وقت مضى أنّ جيشاً يفديه أبناؤه الشهداء بدمائهم التي تتجاوز كل انتماء وولاء، سوى الولاء للبنان، هو جيش قادر على تخطّي العقبات بإرادة لا تلين، حتى يصل بالوطن إلى الخلاص المنشود».
ولفت هيكل إلى أنّه «في ظلّ الأحداث الخطيرة التي تعصف بالمنطقة، يواجه لبنان مجموعة من التحدّيات المتداخلة، على رأسها تهديدات العدو الإسرائيلي واعتداءاته على بلدنا وعلى شعوب المنطقة، ويُمعن في انتهاكاته للقرارات الدولية، ويعمل على اختراق نسيجنا الاجتماعي. يليه الإرهاب الذي يسعى إلى النَيل من وحدة الوطن وسلامة أبنائه. يُضاف إلى ذلك ما تتركه الأحداث الإقليمية من تداعيات على ساحتنا الداخلية، ممّا يستوجب تضافر الجهود للحفاظ على الوحدة الوطنية وتحلّي الأطراف كافة بالوعي والمسؤولية، بهدف تجاوز هذه المرحلة الدقيقة». وأضاف: «وسط تلك الظروف، يواصل الجيش تنفيذ مهماته على رغم من الإمكانات المحدودة، بما في ذلك استكمال بسط سلطة الدولة وفرض سيطرتها على جميع أراضيها وفق قرار السلطة السياسية، وتطبيق القرارات الدولية ولا سيما القرار 1701 بالتعاون والتنسيق الوثيق مع قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان – اليونيفيل، بالإضافة إلى تنفيذ مهمات حفظ الأمن، وضبط الحدود الشمالية والشرقية وحمايتها، ومراقبة الحدود البحرية والمياه الإقليمية، ومكافحة الجريمة المنظمة، والوقوف إلى جانب اللبنانيِّين عن طريق المهمّات الإنمائية والإغاثية. كل ذلك يستوجب تعزيز قدرات الجيش لمواجهة التحدّيات، وإنّنا نتطلّع إلى التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة من أجل تحقيق هذا الهدف».
وأكّد قائد الجيش «إنّ الجيش لن يتهاون في إحباط أي محاولة للمساس بالأمن والسلم الأهلي أو جرّ الوطن إلى الفتنة، وسيبقى الضامن لجميع اللبنانيِّين والحريص على وحدتهم وتماسكهم وتَضامنهم في إطار مؤسسات الدولة. أدرك تماماً الصعوبات التي يواجهها كل منكم بإيمان وعزيمة، سواء على الصعيد المهني أو الاجتماعي، وأنظر إليكم بعَين الفخر والتقدير، وألمس فيكم العزة والتفاني المطلَق، وأؤكّد لكم أنّ قيادة الجيش تبذل جهوداً متواصلة لدعمكم وتحصيل القدر الأكبر من حقوقكم وتحسين ظروفكم. واعلموا أنّ قوة الدولة واستقرارها هما من قوة الجيش، وأنّ قوة الجيش هي ثمرة وحدتكم والروح المعنوية العالية لديكم، مع تأكيدنا ضرورة توفير ما يلزم من دعم للمؤسسة العسكرية من قِبل المعنيِّين في الدولة، بما يتيح تطوير قدراتها وتحسين أوضاعها في مواجهة الظروف الصعبة الراهنة».
وخلص قائد الجيش في «أمر اليوم « قائلاً للعسكريِّين: «ثابروا على العمل ولا تتردّدوا في بذل الغالي والنفيس دفاعاً عن الأهل والأرض، لتحفظوا رسالة الشرف والتضحية والوفاء».
ملف السلاح
سياسياً، ملف السلاح، ووفق ما هو سائد في أجوائه من معطيات ومؤشرات، أمام محطة جديدة من الأخذ والردّ حوله، تعزّز ذلك الأصداء السلبيّة للردّ الأميركي على الردّ اللبناني، التي سبقت وصول الردّ بصورة رسمية إلى الجانب اللبناني.
وفي موازاة الكلام الهامس في بعض الأوساط بأنّ الردّ الأميركي يوشك أن يُبلّغ إلى الجانب اللبناني، أكّد معنيّون بالردّ اللبناني لـ«الجمهورية» أنّ «الأجواء غير مشجّعة، وخصوصاً أنّ التسريبات التي سبقت الردّ من مصادر متعدّدة، عكست تشدّداً في الموقف الأميركي، تجاوز الردّ اللبناني الذي تضمّن مندرجات حلّ صيغت بأعلى درجة من التوازن، والحرص على تثبيت الأمن والإستقرار، وتحقّق الهدف الذي يتوخّاه لبنان في وقف العدوان الإسرائيلي بصورة نهائية والإنسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة وتحرير الأسرى اللبنانيِّين وتثبيت الأمن والاستقرار في الجنوب وكلّ لبنان، فيما ملف السلاح وحصريته بيَد الدولة يُبت وفق الآلية التي حدّدها رئيس الجمهورية».
إستياء أميركي
السؤال الذي يفرض نفسه في هذه الأجواء، ماذا سيتضمّن الردّ الأميركي الجديد؟ وهل سيخاطب الجانب اللبناني بلغة متشدّدة، أم أنّه سيبقي الباب مفتوحاً أمام لبنان لاغتنام ما وصفها الموفد الأميركي «فرصة ذهبية» متاحة حالياً لبلوغ حل؟
لم تغلق واشنطن، وفق ما صدر أخيراً عن توم برّاك، الباب على حلّ كما تقترحه، بل تترك كرة اتخاذ القرار في شأن سحب سلاح «حزب الله» للحكومة اللبنانية، إلّا أنّ ذلك يقترن بكلام آخر يتردّد في أوساط ديبلوماسية، يفيد بأنّ حبل الإنتظار ليس طويلاً، بالتالي «على لبنان أن يحسم قراره».
ووفق ما يُقال في تلك الأوساط، فإنّ «الأميركيّين مستاؤون من عدم تجاوب الجانب اللبناني مع مشروع الحل الذي قدّمه الموفد الأميركي توم برّاك، وأنّهم إزاء عدم التجاوب، قد لا يستمرّون في هذه المراوحة وتضييع الوقت في نقاشات وطروحات لا جدوى منها، بل قد لا يتأخّرون في سحب أيديهم من هذه اللعبة بصورة نهائية، ولهذا الأمر، إنْ حصل، تداعيات سلبية بالتأكيد».
لا ضمانة ولا مَن يضمنون!
في موازاة ذلك، أكّد مصدر رفيع لـ«الجمهوريّة»، أنّ «لبنان راغب في بلوغ حلّ أمس قبل اليوم، والردّ الذي أُبلغ للموفد الأميركي تضمّن خريطة طريق لبلوغ هذا الحل، لكنّهم في المقابل يصرّون على أمر وحيد، وهو سحب سلاح «حزب الله» من دون أي ضمانات، يعني لا ضمانة ولا ضامن ولا مَن يضمنون».
أكثر من ذلك، يُضيف المصدر عينه، فإنّ «بعض التسريبات التي وقفنا عليها، كشفت أنّ أطرافاً دخلت على خط مشروع الحل الأميركي للتحريض من جهة، وبصورة ظالمة مع الأسف، على بعض المرجعيات في الدولة، ولتزيد من جهة ثانية، طرح سحب السلاح صعوبة وتعقيداً عبر دفعها نحو تحقيق شرط إضافي لا يقول فقط بسحب سلاح «حزب الله» فوراً في كلّ لبنان، بل يشدّد على إنهاء البنية السياسية للحزب كحزب وتفكيكها، وكأنّ خلف ذلك رغبة شديدة وواضحة بتصفية حساب مع الحزب بأي شكل من الأشكال، وعلى هذا الشرط يعلّق أصحاب هذا الطرح المساعدات وإنهاض الإقتصاد وإعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي».
وعلى رغم من تأكيد المصدر الرفيع بأنّ «تلك التسريبات تتّسم بشيء من الجدّية، إذ لا دخان من دون نار». إلّا أنّه يؤكّد «إنّنا لن نحكم عليها قبل أن نتلقّى الردّ الأميركي الجديد، وعلى مضمونه يُبنى على الشيء مقتضاه. ما نريده هو حلّ ينهي العدوان ويحفظ مصلحة لبنان وأمنه واستقراره، وعلى هذا الأمر اجتمع موقف لبنان الرسمي، ولا يمكن بالتالي النزول تحت هذا السقف».
قاسم
إلى ذلك، أكّد اﻷمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في المهرجان التكريمي للقائد الجهادي فؤاد شكر (السيد محسن) في الذكرى السنوية اﻷولى لاستشهاده «أنّ العدو ليس متوقفاً عند النقاط الخمس المحتلة، وينتظر نزع سلاح المقاومة ليتوسع ويبني مستوطناته».
واعتبر أنّ «اتفاق وقف النار حقق الأمن في المستوطنات الشمالية، لكن هل تحقق الأمن في لبنان؟ لدينا سوريا نموذجاً اليوم، وها هو العدو يقتل ويقصف ويرسّم الحدود الجغرافية والسياسية ومستقبل سوريا. نحن اليوم في لبنان معرّضون إلى خطر وجودي على شعبنا وبأكمله من «إسرائيل» و«الدواعش» وأميركا تحت مسمّى الشرق الأوسط الجديد». ورأى «أنّ كل ما يحصل من استهدافات واعتداءات واغتيالات وضرب للمباني هو ضمن المشروع التوسعي الإسرائيلي. لبنان لن يكون ملحقاً بإسرائيل ما دام فينا نفسٌ وما دمنا نقول «لا إله إلّا الله». فلا تطلبوا منا صلحاً أو اعترافاً بإسرائيل. نحن قومٌ باعوا جماجمهم لله عزّ وجلّ نحيا ونموت في وطننا ولن نعطيكم إعطاء الذليل».
وأضاف: «إنّ برّاك يريد السلاح من أجل إسرائيل، وليس لضبط الوضع الأمني في لبنان. وهذه الدولة تقوم بمهامها ولا يوجد مَن ينافسها على حصرية السلاح سواء في الداخل أو بمواجهة إسرائيل».
تهديد إسرائيلي
في موقف تصعيدي خطير، نقلت القناة «14 العبرية» عن وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قوله «إنّ الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من 5 نقاط نتواجد فيها داخل الأراضي اللبنانية، وإنّ القرى الشيعية التي دُمِّرت لن يُعاد إعمارها».
وأضاف سموتريتش: «هناك احتمال كبير أنّ «حزب الله» سيُجرّد فعلياً من سلاحه. حتى خامنئي فَقدَ الأمل في «حزب الله» وهو غير مبالٍ بالسؤال عمّا إذا كان سيُعاد تأهيله أم لا». ووصف سموتريتش اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، باتفاق جيد، يمنح إسرائيل الشرعية الكاملة لفرض العجز الفعلي لـ«حزب الله» عن إعادة تأهيل نفسه على الحدود»، مهدّداً بأنّ الاتفاق «يشمل كل لبنان. حتى في قلب الضاحية، إذا لزم الأمر سنهدم المباني في وضح النهار. ولا توجد منطقة آمنة».
عودة عون
على صعيد سياسي آخر، إختتم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون زيارته إلى الجزائر، وعاد إلى بيروت أمس، بعدما أجرى محادثات مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وعدد من المسؤولين الجزائريِّين، كما جرت محادثات موسعة بين الوفدَين الرسميَّين اللبناني والجزائري، أفضت إلى العديد من القرارات المهمّة لتفعيل سبُل التعاون وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدَين في شتى المجالات. وقد زار الرئيس عون والوفد المرافق قبل عودته إلى بيروت كاتدرائية «سيدة إفريقيا» في العاصمة الجزائرية، كما زار جامع الجزائر.
وفي مؤتمر صحافي مشترك، جدّد الرئيس الجزائري «إلتزام الجزائر الثابت والدائم بالتضامن مع الشعب اللبناني الشقيق، وحرصها على أمن لبنان واستقراره، ومساعيها على مستوى مجلس الأمن، لوقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للسيادة اللبنانية، ودعم قرار الأمم المتحدة لتجديد عهدة قوات حفظ السلام في جنوب لبنان (اليونيفيل)». فيما أكّد الرئيس عون «أنّ لبنان لا ينسى مواقف الجزائر الداعمة له دوماً. فهيَ لم تغِب مرّة عن المساعي العربية الحميدة، لخروجِه من أزماته وإنهاء حروبه المركّبة بين داخله والخارج».
واعتبر أنّ «التضامن العربي هو ضرورة لقوة لبنان، وهو يصلّب وحدته، ويحصّن سيادته واستقلاله. تحدوني آمال كبيرة في إنقاذ بلدي من المخاطرِ المحيطة. وفي استعادة دولته، وإعادتها دولة كاملة الأوصاف والمواصفات. وأوّلها سيادتها الكاملة وغير المنتقصة ولا المشتركة مع أي كان، على كامل أرضها وكل شعبها. إنّنا نطمح إلى الدخول إلى كل بلد عربي شقيق، وإلى كل بَيت عربي، بالمحبة والأخوّة. فلا نتدخّل في شأن أي من أخوتنا. ولا هم يتدخّلون في شؤوننا، إلّا بالمؤازرة على خَير كل منّا، وخير كل بلداننا، ضمن مناخات الاحترام الكامل والتعاون المطلق».