الاحداث – كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"أياً كانت النتائج التي انتهت اليها جلسة مجلس الوزراء أمس، التي خُصِّصت للبحث في خطة قيادة الجيش لـ "حصرية السلاح بيد الدولة"، فإنّ مجموعة من المعادلات قد أطلّت بقرونها على سطح الأحداث على ضبابيتها، وهي مفروزة على قياس المواقف التي تجلّت في مقاطعة وزارية شيعية، لتُبقي الرهان الصعب على ما هو متوقع من خطوات يمكن أن تحملها الساعات المقبلة وترسم معالم المرحلة.
كان من الصعب جداً ضمان حضور الوزراء الشيعة في الجلسة الحكومية أمس للبحث في خطة الجيش لحصر السلاح، وأُضيف إليها بطريقة تحمل كثيراً من الريبة المكشوفة، بنوداً تعني وزيرين منهم لتسهيل مشاركتهما فيها، قبل بلوغ مرحلة مناقشة الخطة التي وضعتها قيادة الجيش لحصر السلاح. فكل الخيارات والعروض التي تبادلها الموفدون الذين توزعوا بين بعبدا وعين التينة والسراي الحكومي في السرّ كما في العلن، لم تكن لتضمن جلسة بكل مواصفاتها الدستورية والسياسية والإدارية من دون هذه الخطوة الشكلية، التي ترجمها ملحق بجدول الأعمال الذي كان محصوراً بالخطة دون سواها.
والواضح أنّ ما جرى عند هذه المحطة أنهى وجود أي هامش للمناورات، وزاد في الوقت عينه من مساحة الانقشاع للمواقف الواضحة والخيارات النهائية التي تهدّد وحدة السلطات الدستورية والمؤسسات، وقدرتها على مواجهة الاستحقاقات الكبرى التي تواجهها البلاد، في مرحلة عصفت بها التحولات الكبرى في المنطقة المحيطة بها، سواء في تلك القريبة منها أو البعيدة. إذ إنّه كان كافياً أن يكون لأي منها إصبع في الداخل اللبناني او في المحيط، بعدما توسعت رقعة الحروب لتشمل معظمها وتهدّد كياناتها وتبدّل في أدوارها. إذ إنّ بعضها انتقل من محور إلى آخر، فانهارت خلالها مجموعة من الخيارات الكبرى التي كانت سائدة لعقود من الزمن، قبل ان تغيب بطريقة لم يكن يتوقعها أحد.
لم يكن الوقت كافياً مع نهاية جلسة أمس لمعرفة المعطيات عمّا هو متوقع من تردّداتها القريبة والبعيدة. ذلك انّ المؤشرات التي حملتها الساعات القليلة الماضية بقيت عاجزة عن تقديم التصور، لما يمكن أن يؤدي إليه بعض الخطوات الطبيعية. وذلك في انتظار ما يمكن أن تكون ردّات الفعل الإقليمية والدولية على كل ما يجري على الساحة اللبنانية. ذلك أنّ بعضاً من الخطوات المحدّدة التي كانت مطلوبة من أهل الحكم في لبنان لم تكتمل فصولها. ومردّ ذلك إلى انّ ما عبّرت عنه مواقفهم في بداية المناقشات حول مسلسل المفاوضات، لم تبق موحّدة إلى نهايتها، وخصوصاً على مستوى رؤية الخيارات المقبلة وما هو مطلوب من لبنان ومدى قدرته على تلبيتها كاملة.
وفي المراحل التي استُجدت، تبيّن وبعدما تمّ الإحتفاظ بهذا الستاتيكو لفترة محدودة من الوفاق الرئاسي، بدأ ينهار عند المداولات حول الورقة الأولى التي كان قد توصل إليها الموفد الرئاسي الأميركي السابق عاموس هوكشتاين وترجمها في تفاهم 27 تشرين الثاني الماضي. وجاء سقوط المهل الأولى التي تحدث عنها ليزيد في الطين بلة، وخصوصاً في وحدة أهل الحكم، مع انّه لا ناقة ولا جمل للثلاثة فيها بطريقة متساوية. ولمّا عبرت المهلة الفاصلة عن تاريخ الاتفاق ودخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الابيض، اهتزت وحدة المواقف مجدداً، وبدأ التمايز يكبر بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من جهة ورئيس مجلس النواب من جهة أخرى، تزامناً مع تعيين مورغان اورتاغوس خلفا لهوكشتاين. ولم تنفع العمليات التجميلية التي أُجريت لإعادة اللحمة إلى الموقف الرسمي. وكانت أولى بوادر الانشقاق المخفية في الزيارة الأخيرة لهوكشتاين، عندما تسلّم من رئيس الجمهورية ورقة صيغت باسم المجموعة الرئاسية، فإذا به يُفاجأ بورقة ثانية من عين التينة حملت توقيع رئيس مجلس النواب بصفته الإضافية رئيساً لحركة "امل" وأحد ركني الثنائي الذي يجمعه مع "حزب الله".
وبعدها تطورت الامور بطريقة مفضوحة على المراقبين المحايدين، فانكشفت المواقف الحقيقية بطريقة لم تبقِ من التلاحم بين أهل الحكم سوى التسريبات المفخخة غير المقنعة والمثبتة، التي حاولت تغليف الإعصار المحتمل أن يظهر إلى العلن في أي لحظة بين رئيس مجلس النواب من جهة ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من جهة أخرى. ولم يعد ذلك سراً إن تغاضى البعض عمّا كان يجري في الخفاء، فطفت على سطح الأحداث أولى مظاهرها قبيل تقدّم السيدة اورتاغوس في تحديد المراحل المتقدّمة لتنفيذ التفاهم، قبل أن ينعاه لاحقاً السفير توم برّاك، معتبراً انّه غير موجود لأنّه لم ينص على آلية واضحة لترتيب المراحل المقترحة لتنفيذ التزامات طرفي الصراع، إسرائيل من جهة ولبنان الرسمي من جهة اخرى. فيما لم يكن هذا "المفاوض اللبناني الجديد" طرفاً في المفاوضات السابقة التي أدّت إلى الهزيمة على خلفية ما انتهت إليه.
وعليه، لم تنفع تبريرات "الثنائي الشيعي" الذي خاض الحرب والمفاوضات، انّ ما تمّ التوصل اليه كان "مفروضاً تحت النار" ، ذلك انّ من يحمل المسؤولية اليوم كان في مكان آخر. فالرئيس سلام كان على قوس المحكمة الدولية يحاكم رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، ورئيس الجمهورية كان يسعى إلى الاحتفاظ بقدرة المؤسسة العسكرية على القيام بمهماتها كاملة. وكان ذلك واضحاً للجميع قبل أن يتلقفا كرة النار عند وراثتهما الهزيمة، وبات عليهما إخراج من لحقت به من الحفرة التي وقع فيها.
عند هذه المحطة ترى مراجع سياسية وديبلوماسية مضطرة إلى الاعتراف بأنّ الامور تشابكت وتناسلت وتعقّدت أكثر فأكثر. وبدأت مظاهر السباق للتلاعب بالتفاهمات تظهر بقوة، وتحديداً في الفترة التي واكبت انتقال بعض مهمّات اورتاغوس إلى الموفد الأميركي الجديد المكلّف الملف السوري توم برّاك، فتضاربت التفسيرات للتفاهم بطريقة أبعدت الوسيط الأميركي عن أهداف مهّمته التي كانت محصورة بترتيب العلاقات بين لبنان وسوريا وحسب. وهي مهمّة قال سلفاً انّها محدّدة بمهلة شهرين. وهو ما زاد المخاوف من خطوات سلبية عززتها الضربات الإسرائيلية المتتالية على الأراضي اللبنانية، بطريقة رفعت منسوب المخاوف لدى الثنائي من أي خطوة تقود إلى حصر السلاح بالسرعة التي لا يرغب بها.
وعلى وقع البدء بتسليم السلاح الفلسطيني على هزاله، بدأ التلاعب بالمهل، وكان ما كان من مواقف اعتبرت قرار حصر السلاح الذي اتُخذ في 7 آب الماضي غير موجود على الإطلاق، وصولاً إلى مغادرة الوزراء الخمسة جلسة أمس على دفعات ثلاث فور دخول قائد الجيش العماد رودولف هيكل إلى الجلسة. وكان لافتاً انّ "الوزير الملك" ذهب أبعد من نظرائه ممثلي حركة "امل" و"حزب الله"، بإعلان وضع استقالته في تصرف رئيس الجمهورية، وهو ما لم يفعله أي من الوزراء الآخرين. وكل ذلك جرى على وقع البتّ بالخطة العسكرية التي لم تحدّد أي مهلة. وهو ما أنهى هامش المناورة أمام الجميع، وفتح الباب أمام مسلسل مجهول من الخطوات المقبلة شكلاً ومضموناً.