الاحداث- كتب سمير سكاف
إن تجريد الحكومة اللبنانية لحزب الله من "شرعية" سلاحه، وتكليف الجيش بوضع خطة لسحب هذا السلاح، هو خطوة جريئة باتجاه بناء الدولة، وخطوة باتجاه استعادة الدولة لقرار الحرب والسلم! وهو يمكن أن يعني أيضاً استقالة وزراء الشيعة منها واعتبارها غير "ميثاقية"!
وقد أصبح هذا القرار "التجريدي" حتمياً! فالصيغة واضحة، وغير ضبابية! وهو أنهى عقوداً من الغطاء الحكومي والرسمي لسلاح الحزب!
وهذا "التجريد من شرعية السلاح" سيصبح سلاحاً في يد الحكومة في المنابر الدولية، وغطاءاً لها، وإن كان سيضعفها في الداخل، وسيعرضها لمواجهات قد تكون عنيفة!
وفي هذه الحال، كيف سيترجم حزب الله "سحب شرعية السلاح"، في ظل رفضه لتسليم سلاحه؟! وهل ستكون الترجمة في الشارع؟! عسكرية أو شعبية؟؛
لم يكن يُنتظر أن يوافق حزب الله على تسليم سلاحه في مجلس الوزراء اللبناني أو في خارجه.
وما حصل في مجلس الوزراء هو قرار هائل. ولكن المسألة لم تنتهِ بعد... يُتبع!
أول الغيث بعد هذا القرار هو أن الدولة ستصبح في كوكب مغاير لكوكب حزب الله، سياسياً وعسكرياً.
ولكن ما هو أكيد أن حزب الله مستعد للمواجهة في الداخل قبل المواجهة مع اسرائيل!
وكل مطالبة بتسليم السلاح، ولو للجيش اللبناني يعتبرها حزب الله خدمة مجانية لاسرائيل وتخلي لبنان عن أحد عناصر قوته
حزب الله ليس موافقاً الآن على القرار الحكومي، ولا على مواقف رئيس الحكومة، ولا على خطاب رئيس الجمهورية...!
ولا يوافق حزب الله لا جملةً ولا تفصيلاً على عروض، ولا على ضغوط، الموفد الأميركي توم براك بتسليم السلاح بالكامل، وفي زمن قصير وإلا فستُطلق يد اسرائيل في لبنان!
وفي المصادفة، فإن الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عبر عن رفض الحزب لتسليم السلاح خلال مناقشة مجلس الوزراء لهذا البند! أي "بلو النقاش وشربو ميتو!"، وهو قد يتحول الى "بلو القرار وشربو ميتو" من جديد!
ويمكن بالعودة الى الوراء والتساؤل، ماذا جرى في الاجتماع الأخير بين رئيس الجمهورية جوزيف عون وبين النائب محمد رعد؟ على ماذا لم يتفقا؟ وما هي آلية اللا اتفاق؟
في الواقع، لم يعد هناك مبرر لحوار حول الإستراتيجية الدفاعية!
فذلك "الحوار" كان يختلف بين فريق وآخر. وهو لم يكن يحمل التفسير نفسه ولا الأهداف نفسها بين 8 و14! وحتى معظم جماعة 8 آذار لم تعد تحمل الأفكار السابقة حول وظيفة سلاح الحزب!
ومع ذلك، لا أحد يريد الحرب في الداخل. ولكن لا أحد يخشى مواجهة الآخر!
كنت قد توقعت شخصياً تحريك شارع 14 آذار أولاً للمطالبة بتسليم السلاح شمال الليطاني! ولكن ما جرى في الفترة الأخيرة من مواقف حكومية وضغط أميركي وتهديد اسرائيلي بحرب مدمرة... جعل موقع الأوراق يتبدل!
ما يعني أن مبادرة الشارع تحولت من 14 الى 8! وأن جمهور حزب الله قد يملأ الشارع، في كل مناطق بيئته، وفي معظم شوارع بيروت، حيث يمكنه اجتياز حواجز الجيش من دون مواجهة.
أي يمكن الذهاب الى نوع من "حرب شوارع"، غير مسلحة، من دون 7 أيار جديد، وبتواجد الجيش ليفصل بين المتظاهرين واحتكاكاتهم، ما لم يتمّ الضغط على الجيش لتفرض عليههذه الضغوط أن يكون طرفاً!
من هوكشتاين الى أورتاغوس وبراك... الى ويتكوف وروبيو وترامب. الكل تحدث عن إطلاق حرية اسرائيل التدميرية في لبنان ما لم يقم حزب الله بتسليم سلاحه!
وهذا ما قد يبدو المؤشر لبداية حرب جديدة على لبنان.
أصبح حزب الله أسير قناعاته؛ الموت أو الانتصار. أو السير بالسياسة الإيرانية! والطريقان تؤديان به الى حروب مستمرة قد تصل به الى نهاية وجوده العسكري!
وبالتأكيد، هناك مشكلة إقليمية ولبنانية كبيرة؛ لا أحد "يمون" على اسرائيل لإجبارها على الانسحاب من لبنان! ولا حتى الأميركي!
في أي حرب مقبلة، حزب الله، سيواجه اسرائيل بشجاعة مقاتليه، ولكن ب "الاجنحة المتكسرة"؛ من سقوط نظام الاسد، الى غياب القادة، الى ضرب المقاتلين، الى المناطق المدمرة، الى شح الأموال، الى الانسحاب من جنوب الليطاني، الى حياد إيران في الإسناد، الى غياب الدعم اللوجيستي...
من جهة أخرى، لا حل للانسحاب الاسرائيلي، برأي حزب الله، إلا بالحرب! ولا حل لتسليم سلاح حزب الله، برأي الاسرائيلي، إلا بالحرب! (باعتبار أن الخيار الآخر هو مواجهة عسكرية في الداخل اللبناني، وهي مرفوضة من الجميع) فالحرب إذن قد تكون عندها نقطة تقاطع الخيارات الأساسية في المستقبل القريب في لبنان!
تحاول الديبلوماسيات. ويحاول الرؤساء في لبنان، ويحاول أصدقاء لبنان العرب والغربيون... ولكن لبنان سيدخل في مخاض عسير في الاستقرار الداخلي، وفي حرب اسرائيلية محتملة، ما لم يتمّ لجمها من الأميركيين، باعتبار أن القرار الحكومي كان قوياً جداً، ولكنه قد يدخل أيضاً في أيام ولادة قيصرية لمرحلة جديدة!
باختصار، المرحلة المقبلة، وعلى المدى القريب، صعبة جداً جداً... كالعادة!
ومع ذلك، فالخيارات المطروحة على حزب الله، برأيه، هي الاستسلام. وهو لن يستسلم!
وكما في لعبة الشطرنج، قامت الحكومة اللبنانية بتحريك بيادقها، وهددت الحزب ب "Check" ، ولكن من المبكر القول له: "and Mat"!
*كاتب ومحلل سياسي