الاحداث - ترأس المطران يوحنا رفيق الورشا ممثلاً البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي فداس شهداء القوات اللبنانية في معراب .
وبعد الانجيل المقدس، القى الورشا عظة قال فيها:"كلّفني فشرّفني صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلِي الطوبى أن أمثّله في هذه الذكرى السنوية، وأن أحتفل بالذبيحة الإلهية لراحة نفس شهداء القوات اللبنانية وجميع الشهداء الذين أهرقوا دماءهم ليسقوا تراب وطننا لبنان الحبيب لكي يجعلوه حرًّا سيّدًا، مخلَّصًا من أيادي المغرضين والمصطادين في الماء العكر، سواء من الخارج أم من الداخل.
أيّتها القوّات اللبنانية، لقد اتّخذتُم عنوانًا قيّمًا لهذا القداس ألا وهو "نجرؤ ليبقى لبنان". والجرأة إنّما هي قيمة مسيحية بامتياز، وهي من صفات الرجالات الجبابرة؛ عاشها المسيحيون عبر العصور ابتداءً بالمسيح مخلّص العالم، الذي ملأت الجرأة حياته أقوالًا وأعمالًا ومواقف، فتكلّلت بالاستشهاد على خشبة الصليب.
اضاف: كما وأنّ جرأة يسوع ظهرت في الكثير ممّا كان يقوم به وهو يتناقض في بعض الأحيان مع ما كان مألوفًا كمثل شفائه رجلًا يدُه يابسة يوم السبت، (متى ١٣-٩/١٢) ومن خلال أقواله: "قيل لكم... أما أنا فأقول" (متى ٤٣-٣٨/٥)".
وتابع: لا شكّ في أنّه ما جاء لينقض بل ليكمّل ولكن في الوقت عينه أثار الجدل والنقاش فيما بين الذين كانوا له دائمًا بالمرصاد، وكان جريئًا في مواقف وأعمال كي يغيّر وينتفض ويثور على واقع لا يتناغم مع مشروعه الذي هو بناء الملكوت وتحقيق إرادة الآب الذي أرسله.
وقال: قال الرب يسوع أيضًا في إنجيل يوحنا: "أنا والأب واحد"، فانتقده البعض إذ قالوا مَن هو حتى يساوي نفسه بالله فأخذوا حجارة ليرجموه (يوحنا ٣١-٣٠/١٠). وفي مكان آخر، في موضوع بنوّته للآب قالوا: "أليس هذا ابنَ يوسف النجار ؟" (متى ٥٥/١٣) لقد كلّفته جرأته أيضًا أن يكون شهيدًا حيًّا بسبب انتقاداتهم اللاذعة، إذ قالوا فيه إنه يُخرج الشياطين باسم الشياطين الذين فيه (متى ٣٤/٩). وكلّ ذلك لم يثنهِ عن متابعة تحقيق مشروعه ولم يخطف جرأته فكانت ذروته الاستشهاد على الصليب، بحيث كان مصيرُه على الأرض أن صُلب بين لصَّين.
واردف: إنّ تعلّقه الحازم والجريء بقضيّته أي ببناء ملكوت الآب وتتميم الأعمال الخلاصية وتمسّكه بها، إذ هي الحقيقة المطلقة التي من أجلها تجمّد وزار أرضنا، ظلّ ثابتًا فيها ولم يتراجع عن السَّير في بنائها. أجل إن جرأته المتحرّرة والتي ما عرفت يومًا المساومة قادته إلى أكثر من ذلك فتكلّلت بالمسامير وإكليل الشوك وسفك الدّماء على خشبة الصليب.
وتابع: وهكذا إنّ شهداء القوات اللبنانية وغيرهم من الشهداء، لأنهم جريئون، تمسّكوا بحقيقة لبنان المتألقة، بجمال بنيته، وشرف تاريخه، رافضين أن يساوموا على شبر واحد من أرضه، فاستشهدوا من أجلها وانضموا إلى قافلة كثيرين من الشهداء الذين أهرقوا دماءهم من أجل إنقاذ لبنان".
واكد انه أمام هذه الدماء المسفوكة، عارّ على جبيننا جميعًا، بكلّ مكوّنات وطننا، وبكلّ اطيافه وأحزابه وانتماءاته أن نسترسل في المشادّات والشتائم والانتقادات والانقسامات والعودة إلى جروحات الماضي، وأن نضيّع القضية التي من أجلها وُجدنا.
وقال: تعالوا ننحني أمام كلّ نقطة دم هُدرت بُغية بقاء لبنان. فلننقّ الذاكرة ولنعمل على تطهير الذهنيات، وذلك يتطلّب جرأة قويّة متعالين عن كلّ ما يلهينا عن الجوهر ألا وهو خلاص لبنان بعد نصف قرن من جلجلة الصليب.
وتابع: هلمّوا نرصّ صفوفنا ونوحّد قوانا ونقف سدًّا منيعًا في وجه سياسة "فرِّق تسد". فالجرأة تقتضي الوقوف في وجه التحديات وتخطّي العواصف ومواجهة الأزمات من دون مساومة.
وشدد انه : لا يحقّ لأحد لأيّ مكوِّن من مكونات المجتمع اللبناني أن يتغاضى عن المسؤولية في حقبة تاريخية مفصلية من تاريخ لبنان تستوجب وقفة ضمير جماعية قبل أن يفوت الأوان وعندها الندامة*.
ودعا الى عدم التهاون مع مَن يتلاعبون بديموغرافية الوطن فيكاد يطغى عدد النازحين واللاجئين على أبنائه الأصيلين، والذين هم بدورهم يغادرون البلاد بحثًا عن الكرامة والعيش الكريم، أو هم على أبواب السفارات ينتظرون تأشيراتهم للمغادرة.
ودعا الى مواصلة نهج الجرأة التي عشتموها ودفعتم كما غيرُكم ثمنها الكثير الكثير، فالأوطان لا تُبنى بالمساومة والوهن والتضليل بل بالحقيقة والقوة والصمود".
كما دعا الى وضع" نصب عيونكم مع كل مكونات المجتمع اللبناني مشروع بناء الدولة: دولة المؤسسات الحيّة، دولة القانون والعدالة والشفافية والمحاسبة، دولة كرامة المواطن وإنمائه على كافة المستويات، دولة الحقوق والواجبات، دولة هدفها الخير العام من دون إقصاء ولا تهميش؛ دولة تخلق مناخًا لكل مواطن كي يحقق ذاته ويعيش بأمن وأمان".
وقال: فلتكن الجرأة عنواننا جميعًا نحن اللبنانيين فنتّحد ولو لمرّة واحدة لإخراج البلد من كبوته ومصيبته.
وختم: يا مريم، في عشيّة عيد مولدك، نكل إليك لبناننا المعذّب، أطلبي من ابنك يسوع أن تبقى عيناه ساهرتين عليه وعلى شعبه إشفعي به لديه وقولي له لقد تعب وهو يسأله أن يبعث فيه الرجاء ولأجياله الطالعة عساهم يعيشون عيشًا حلوًا حرًّا كريمًا.