الاحداث- كتبت لوسي بارسخيان في صحيفة نداء الوطن يقول:"بعد خمس سنوات على صدور القانون 178/2020، خطا لبنان يوم الخميس الماضي خطواته العملية نحو تشريع زراعة القنب لأغراض طبية وصيدلانية، من خلال تشكيل أول هيئة ناظمة لزراعة نبتته في لبنان وتصنيعها.
القرار اتّخذه مجلس الوزراء بعد مقابلات جرت مع 96 مرشّحًا لمركزي الخبيرين في الهيئة التي تضمّ أيضًا ممثلين عن وزارات الزراعة، الصناعة، الصحة، الداخلية والعدل. وكانت النتيجة تعيين داني فاضل رئيسًا للهيئة، إلى جانب كلّ من الأعضاء ماري تيريز مطر، العقيد أيمن مشموشي، دانا حيدر، مروان جوهر، القاضي جوزف تامر، ومحمد علي مروة.
المسؤولية كبيرة جدًا على الهيئة المكلّفة، ليس فقط لأن تجربة لبنان في تشريع هذه الزراعة هي الأولى بمنطقة الشرق الأوسط، وإنما لكون الواقع الحالي للزراعة غير الشرعية، محفوفًا بتحدّيات كثيرة، من شأنها إحباط المساعي الحثيثة التي تبذلها حكومة الرئيس نواف سلام لتحوّل لبنان من بلد متّهم بالتجارة غير الشرعية للحشيشة، إلى بلد قادر على كتابة قصّة نجاحه في تحويل هذه الزراعة إلى قيمة مضافة في اقتصاده.
فهل يحمل هذا التحوّل بوادر نهضة اقتصادية وقانونية؟ أم أنه مجرد محاولة متأخّرة لقوننة واقع شاذّ، محفوف بالمخاطر السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟
من وعد بري إلى وفاء سلام
هكذا إذًا وعد الرئيس نواف سلام ووفى. فاستكملت السلطة التنفيذية ما بدأته السلطة التشريعية قبل سبعة أعوام تقريبًا، حين أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال مناسبة إحياء ذكرى الإمام موسى الصدر، عن تشريع الزراعة، «ليكون المستفيد الأول منها المزارع والعامل والفلاح وصاحب الأرض، وليس المهرّب كما هو الحال حاليًا». تزامنت وعود بري حينها مع إشارات إيجابية وردت في خطة «ماكينزي» التي قدّمت توصيات للنهوض الاقتصادي في لبنان، إلّا أن القانون لم يسلك الطريق باتجاه إصدار المراسيم التطبيقية، مع أنه أُقرّ في العام 2020 بأوج الأزمة المالية، واعتبر أحد الحلول «غير التقليدية» لتحفيز الاقتصاد الريفي وجذب الاستثمارات في الصناعات الدوائية. ففوّت هذا التأخير، إيرادات على الدولة تقدّر بحسب خطة «ماكينزي» بنحو مليار دولار سنويًا. و «هي أرقام ليست وهمًا» وفقًا لما قاله وزير الصناعة جو عيسى الخوري، في مؤتمر «زراعة القنب بين الواقع والمرتجى» الذي استضافه السراي الحكومي قبل يوم واحد من إعلان تشكيل الهيئة، بل تستند إلى معطيات واقعية: من مناخ ملائم، تربة خصبة، خبرة تراكمية لدى المزارعين، وكلفة إنتاج تنافسية لا تتعدّى 20 سنتًا للغرام الواحد، مقارنةً بـ 40 إلى 60 سنتًا في الأسواق العالمية».
الفرصة الضائعة وتحدّي اللحاق بالسوق
تبدّل هذا الواقع منذ العام 2020 أي تاريخ إقرار القانون 178. إذ إنّ عدد البلدان التي شرّعت زراعة القنب ارتفع وفقًا لرئيسة نقابة مصنّعي الدواء في لبنان كارول أبي كرم، من 50 إلى 57، بمقابل تضاعف كمية إنتاج القنب المطلوب وربّما زيادته ثلاثة أضعاف. وهذا ما يفرض على لبنان الذي تخلّف عن حجز مكانه بسوق واعدة، تحديات كبيرة، سواء من ناحية تأمين نوعية إنتاج أفضل، أو من ناحية التنافس بالسعر. وهذا ما يضع الدولة مع شركائها في القطاع الخاص، أمام مفترق حاسم. فإمّا أن تنجح في بناء تجربتها بالتأسيس لسوق قانونية واعدة، أو تسقط في فخ تشريع الفوضى وتكرار أخطاء الماضي. علمًا أن الاختبار الحقيقي، لن يكون فقط في سنّ الآليات المطلوب من الهيئة الناظمة تحديدها، وإنما أيضًا في القدرة على تطبيق المعايير الزراعية والصناعية الصارمة، وعلى ضبط مسارات التسويق والتصدير ضمن رؤية اقتصادية وطنية تضمن الربحية والتنمية.
عقد وهواجس
لم ينف رئيس الحكومة نواف سلام خلال «مؤتمر السراي» أنّ المعوقات كثيرة وكذلك التعقيدات التنظيمية والمؤسّساتية، ولكنه أكد سعي الحكومة إلى معالجتها بتنسيق محكم وجهد مشترك بين السلطات المعنية.
فالواقع غير الشرعي لزراعة القنب الهندي المستمرّ منذ عقود طويلة، خلّف عقدًا جمعت بين أبعاد اجتماعية - صحية، وقانونية وسياسية - اقتصادية. وهذا ما يجعل التحوّل القانوني المنشود غير منفصل عن الحاجة للإصلاحات المطلوبة، لإخراج لبنان من دائرة الزراعة اللاشرعية، وتلقّف فرصته المتاحة للتحوّل التاريخي نحو تشريع هذا القطاع.
فعلى الصعيد الصحي الاجتماعي يمكن التوقّف عند جرس الإنذار الذي قرعه نقيب الصيادلة جو سلّوم في «مؤتمر السراي» للتحذير من ارتفاع بنسبة 400 بالمئة في عدد مدمني المخدرات في لبنان، لافتًا إلى أن 60 بالمئة من هؤلاء تتراوح أعمارهم بين 16 و 30 سنة، وأكثرهم يدمن الحشيشة. وهذا ما يؤكد أهمية ربط تنفيذ القانون بسياسات وقائية صحية عامة، تتضمّن حملات توعية، وأدوارًا فعلية للهيئة الناظمة في مكافحة الإدمان، لا فقط تنظيم الزراعة والتصنيع. علمًا أنّ القانون المعنيّ نصّ على ذلك من خلال اقتطاعه نسبًا من إيرادات القطاع لتوعية الشباب ودعم الجمعيات والهيئات التي تعنى بمعالجة مدمني المخدّرات ومحاربة آفة المخدّرات.
كيف تحلّ إشكالية المزارعين الملاحقين قضائيًا
في البعد القانوني، يكفي التوقّف عند حديث النائب أيوب حميد رئيس لجنة الزراعة والسياحة في «مؤتمر السراي» عن نحو 30 ألف مزارع ملاحق قضائيًا ببلاغات بحث وتحرّ بسبب ممارستهم زراعة «الحشيشة» غير الشرعية، التي حوّلتهم إلى «طفار». وهؤلاء وفقًا لنصوص القانون لا يمكن دمجهم في الدورة الاقتصادية الشرعية دون معالجة وضعهم القانوني عبر عفو مشروط أو تسوية سياسية – قانونية. علمًا أن القانون بحسب حميد لم يأت صدفة، بل نتج عن واقع تفشي آفة زراعة الحشيشة على مستوى البقاع وبعض المناطق، ووعود سلبية ومسيئة أعطيت لهم، بمقابل ضغوطات دولية وعالمية مورست لمكافحة هذه الآفة.
انطلاقًا ممّا ذكر، رأى النائب بلال العبدالله رئيس لجنة الصحة النيابية، أنّ ملف تشريع زراعة القنب قد يكون اقتصاديًا، ولكنه أيضًا ملف سياسي وأمني واجتماعي دقيق، ويحتاج إلى تغطية سياسية كاملة ودولة لها هيبة تأخذ القرار وتنفّذه. مؤكّدًا أيضًا أنه «إذا لم تكن هناك تسوية سياسية للملف الأمني القضائي لمزارعي الحشيشة سابقًا فلا يمكن لأي شركة أن تستثمر في الأرض».
ما ذكر يمكن أن يكون مادة لنقاش طويل قد يعيق تنفيذ القانون أو يؤخّره. بعض هذا النقاش بدأ فعلًا في «مؤتمر السراي» حيث اعتبر النائب عن منطقة بعلبك - الهرمل أنطوان حبشي، ابن بلدة دير الأحمر، أن أي ربط بين مسار تطبيق قانون تشريع الزراعة وقانون عفو عام من شأنه تأخير لبنان أكثر في تلقّف الفرصة المتاحة أمامه لدخول السوق العالمية بإنتاجه المشرع.
دور التجار والبنية العصابية
تأخر لبنان فعليًا خمس سنوات ما بعد صدور قانونه. ونحو ثلاثين سنة عن الخطة الأولى التي وضعت للقضاء على الزراعات الممنوعة في العام 1991. وبين التاريخين مرّت الزراعة بمراحل من الفلتان التي شهدتها حقول البقاع، حيث انتشر القنب الهندي بشكل كثيف ليغطي في موسم العام الجاري نحو 30 هكتارًا قريبًا. وهذا ما جعل حبشي يرفض أيضًا أي تشكيك بقدرة القانون على ضبط آليات التنفيذ والعدالة في التراخيص، متسائلًا «كيف يمكن للبعض أن يخشى الخطأ في تطبيق القانون إذا كان الواقع الحالي كلّه شاذًا». ولفت حبشي إلى أن حجم الاتجار غير الشرعي بالحشيشة حاليًا يصل إلى 800 مليون دولار، فيما ربح المزارع بالدونم الواحد لا يتخطى الـ 200 إلى 300 دولار أميركي. وهذا ما يجعل الربح الحقيقي يذهب للتجار وليس للمزارعين، ويضع المزارع تحت رحمة التاجر الذي غالبًا ما يتحرّك بقوة الأمر الواقع ويكون له نفوذ اجتماعي اقتصادي يؤثر في مسائل تبدأ بالواقع الاجتماعي للقرية وتصل للتأثير على الواقع الوطني بالخيارات الكبيرة.
لا شكّ أن دور التجار تعزّز خصوصًا بعد الأحداث التي شهدتها سوريا وانشغال لبنان بأزمات متتالية، ما جعل الدولة برمّتها ترفع العشرة أمام زراعة صارت أمرًا واقعًا مع مرور الزمن. خلال هذه المرحلة، اتخذت زراعة الحشيشة طابعًا عصاباتيًا منظمًا مكملًا لمعامل الكبتاغون التي انتشرت على الحدود مع سوريا. وصارت خطوط التواصل المفتوحة بين البلدين سبيلًا لتمويل «حزب اللّه» ونظام بشار الأسد «الساقط» وخلق بنية مالية داعمة لهما. إلى أن بدأ تفكيك هذه البنية مع سقوط هذا النظام.
غير أن المزارع ليس خاسرًا كليًّا من هذا الواقع. ووفقًا لحسان مخلوف الذي شارك متحدثًا في «مؤتمر السراي» كخبير ومزارع للحشيشة أبًا عن جد «لو كان خاسرًا لما زرع». ولفت مخلوف في مداخلته إلى أن حصة المزارع من المنتج تصل إلى 10 بالمئة وهي ترتفع إلى 30 بالمئة بالنسبة للمصنع لتذهب باقي المداخيل إلى التاجر الذي يؤمّن تصريف الإنتاج. ومن هنا، كان تنبيه مخلوف إلى ضرورة الحفاظ على الكتلة النقدية التي تؤمّنها الزراعة بالنسبة للمزارع، والتي وحدها تشجعه على الانخراط في المسيرة التشريعية لهذه الزراعة.
الرهان على التحوّل الهيكلي لا الشكلي
في المشهد المرتقب بالمقابل، تتقاطع الرهانات الحكومية مع تطلعات إنعاش قطاعي زراعة القنب «الشرعي» وصناعة الدواء والمستحضرات وموادهما الأوّلية. وبموازاة الأمل في أن تكون نبتة القنب مفتاحًا لزراعة مستدامة، يبدو الرهان الحقيقي أيضًا على أن يشكل القانون نقطة انطلاق نحو تنظيم فعلي للقطاع، لا مجرد «تبييض» للواقع القائم منذ عقود، وخصوصًا في منطقة البقاع.
وهذا وفقًا للمعنيين بالزراعة وإنتاجاتها، لا يتحقّق من دون بناء سلسلة قيم متكاملة من شأنها أن تعلي قيمة النبتة وجودتها لا فقط مردودها، فتبدأ من التربة وتنتهي في الأسواق الخارجية، مرورًا بمختبرات موثوقة، ومعايير زراعية وصناعية دقيقة، وتنظيم صارم للعلاقة بين المزارع والمصنع والدولة. وهذه تحديدًا تلخص المقاربة التي قدّمها رئيس الهيئة الناظمة المعيّن داني فاضل في «مؤتمر السراي»، مشددًا في الوقت نفسه على ضرورة «التعامل مع الزراعة بوصفها المصنع الأول».
بحسب فاضل، فإنه «لا صناعة ناجحة من دون زراعة ملتزمة بالمعايير، خصوصًا في ما يتعلّق بتحديد نوعية الحشيشة المطلوبة». وهو ما يفترض بناء علاقة علمية بين المزارع والمصنع تبدأ من مراحل الإنتاج الأولى.
علاقة تعاقدية بين المزارع والمصنع
يبدو المزارع إذًا حلقة أساسية في السلسلة الإنتاجية ونجاحها وفقًا لآليات تطبيق القانون المطروحة. وهذا ما يذلّل من حذر المزارعين من إمكانية سيطرة كارتيلات المصنّعين على الأراضي الزراعية. لا بل تتمسّك كارول أبي كرم نقيبة أصحاب مصانع الدواء بما وصفه وزير الزراعة بعلاقة تعاقدية بين الطرفين، مؤكدة أن لا نية لدى المصنّع بأن يزرع النبتة، بل هي تعوّل على إنتاج نظيف يؤمّنه المزارع المحلي لمصانع الدواء القادرة على تصفية زيوت النبتة لاستخلاص المواد الفعّالة وتصديرها كمكوّن دوائي. وهذا ما يتطلّب من المزارع التزامًا صارمًا بالمعايير الزراعية، لا سيما ما يُعرف بممارسات الزراعة والتجميع الجيدة (GACP) . فالشتلة اللبنانية قد تكون جميلة نعم، لكن الحماسة لها لا تكفي. لا بل يفقد المحصول جاذبيته إذا لم يلتزم المزارع بنوعية الإنتاج المطلوبة من المصانع، خصوصًا أن ذلك يكبد المصانع مبالغ إضافية على عمليات التوضيح والتنقية (clarification)، وهذا ما يرفع الكلفة ويضعف القدرة التنافسية للمنتج في الأسواق الدولية.
ولذلك تتفق أبي كرم مع رئيس الهيئة داني فاضل على ضرورة مواكبة المزارع في مسيرة تطوّره، مشدّدة على أن رفع مستوى الجودة، من شأنه تسهيل عملية تصدير موادها الأولية المنتجة، أما التراخي في النوعية فسيؤدي إلى تلف كميات كبيرة من المحصول.
الهيئة الناظمة كطرف فاعل ومساند
ما ذكر يجعل من الهيئة الناظمة طرفًا فاعلًا في مرافقة المزارع ومساعدته على التطوّر، بموازاة دورها الرقابي في منح التراخيص الزراعية والصناعية بناءً على دراسات جدوى اقتصادية فعلية، وليس فقط على الاندفاع الاستثماري. إذ إن المتوقع أن يفتح القطاع شهية الاستثمار في الصناعات الدوائية المشتقة من القنب، إلّا أن منح تراخيص لشركات الإنتاج بما يفوق حاجة السوق أو قدرات الإنتاج، سيؤدي إلى فائض في أعدادها بمقابل النقص في المحاصيل، وهذا ما يهدّد المشروع بالفشل حتى قبل أن يبدأ.
ومن هنا، ربما جاء تحذير أبي كرم التي تمثل 13 معمل دواء يعمل على الأراضي اللبنانية، وينتج نحو 25 بالمئة من حجم الدواء اللبناني، من الوقوع في فخ التساهل بالمعايير. تتطلع هذه الشركات وفقًا لأبي كرم إلى تطوير المحفظة الدوائية بمنتجات ذات قيمة مضافة، ومن هنا تشديدها على ضرورة خضوع كلّ الشركات التي سيرخّص لها باستخراح مشتقات نبتة القنب، للمواصفات نفسها التي تُفرض على الصناعات الدوائية الكبرى.
لا شكّ أنّ المهمة ليست سهلة. ونجاح التجربة مرهون بقدرة الهيئة على فرض الثقة والشفافية، تمامًا كما شدّد وزير العدل هنري خوري في «مؤتمر السراي»، الذي رأى في «تعبيد العلاقة بين الدولة ومزارع الحشيشة» أساسًا لإعادة بناء دولة القانون.
ومع أنّ عمل الهيئة سيكون خلق أرضية مشتركة لتحديد المواصفات المطلوبة والمعايير الزراعية التي توفّر منتجًا قانونيًّا وموثوقًا، فإن الأمر قد لا يكون بالسهولة المرجوّة، خصوصًا أنّ جزءًا من المزارعين متمسّك بسمعة الحشيشة «اللبنانية» في سوقها «السوداء»، ويعوّل على أن تتمكّن أنواعها نفسها من اختراق السوق الشرعية. وهذا ما يمكن أن يشكّل تحدّيًا يُفقد لبنان الفرصة التي ينتظرها من خلال تطبيق القانون، ليبقى الباب مشرعًا على اللاشرعية.
حذر من إنتاج الفوضى القانونية تحت غطاء الشرعية
على الرغم من كل المحاولات التي تجري لتوعية المزارع حول أهمية التحول بهذه الزراعة نحو البدائل التي توفّر لها الشرعية، ثمة خشية بارزة من ممارسة نوع من المحاباة مع المزارع، توحي له بإمكانية تشريع الأمر الواقع الحالي بزراعاته غير الشرعية. هذه الخشية تبدو مبررة عند الاستماع إلى رأي وزير الزراعة نزار الهاني الذي سألته «نداء الوطن» عمّا برز خلال «مؤتمر السراي» من تباين بين الخبراء والمزارعين في تعريف نوعية النبتة المطلوب زراعتها. فلقي تأكيد الهاني على أن ما سيشرّع هو النبتة المزروعة حاليًا وشرحه أن علم النبات يشجع الدول على التنافس بأنواعها المحلية، ترحيبًا من قبل مزارعي حشيشة أحضروا معهم إلى «السراي» نموذجًا عن نبتتهم «اللبنانية». وذلك قبل أن يستدرك الوزير تداعيات هذا التصريح مؤكدًا أن القرار هو لدى الهيئة الناظمة التي ستحدّد المعايير والمواصفات المطلوبة.
لا يتوقّف التباين عند هذا الحدّ، وإنما يتعدّاه إلى المراحل التأسيسيّة لهذه الزراعة في لبنان والتي يشجع وزير الزراعة على تعميمها وصولًا إلى الغوص حتى في تجارب الزراعة الهيدروبونيكية، أي التي لا تحتاج إلى تربة، إنما تستخدم محاليل مغذية تذوّب في الماء، بحيث تحصل جذور النباتات مباشرة على العناصر اللازمة للنموّ. بينما ترى نقابة مصنعي الدواء وفقًا لما تشرحه أبي كرم لـ «نداء الوطن» حاجة للتمهّل في تعميم هذه الزراعة، ولتكون مقتصرة في المرحلة الأولى على مناطق محددة، «خصوصًا أننا لا نزال في طور التعلم ولا نعرف ما الذي نحتاجه، وما هي المحدّدات التي ستُشرّع. ولأي دواء أو مستحضر سنزرع؟ وما الجدوى الاقتصادية من عدد التراخيص، وأي مناطق يجب أن تبدأ فيها الزراعة». ومن هنا لا ترى أبي كرم مانعًا من الاستفادة من خبرات الشركات العالمية، التي يمكن أن تسهم أيضًا في فتح الأسواق للإنتاج اللبناني، مشدّدة، في الوقت نفسه، على ضرورة تطوير المختبرات لفحص المستحضرات التي ستُصنع في لبنان وتسعى لاختراق الأسواق. داعية الدولة في سعيها لتأمين إيرادات إضافية، إلى إعادة النظر بكل الاتفاقيات الثنائية، بما يفتح الأبواب أمام المنتجات اللبنانية، خصوصًا في الدول التي تستهلك هذا الإنتاج بشكل كبير.
فرصة للإصلاح أم مسرح جديد للخيبات؟
المهمّ في الأمر أنّ الهيئة الناظمة التي تشكّلت بعد طول انتظار تتمتّع وفقًا لنظامها الداخلي والتأسيسي بصلاحيات واسعة. وهي التي ستشكّل فريق عملها ولجنة الرقابة التي ستراجع باسمها طلبات الترخيص. ووفقًا للشرح الذي قدّمه القاضي جو قزي المشارك بصياغة القانون، فإنّ بعض القرارات المطلوبة لن تحتاج حتى إلى مراسيم تطبيقية، وهذا ما يولي أهمية للأشخاص الذين شكّلت منهم الهيئة، ويجعل التحدي الكبير في حسن اختيار رأسها تحديدًا.
ولكن على الرغم من كل هذا الوضوح في القانون، لا تتوقع شركات الدواء وفقًا لأبي كرم إمكانية بدء تصدير إنتاج المعامل قبل ثلاث سنوات من الانطلاق الجدي بالمراحل التنفيذية. وتشرح أنه حتى بعد تشكيل الهيئة هناك حاجة لمهلة ستة أشهر على الأقل لسن الآليات التي تحدّد من سيُنتج النبتة، وكيف سيُرخّص لهؤلاء، كيف سنبيع، وأين سنبيع الإنتاج؟ مشدّدة على أن تحديد معايير واضحة للزراعة والصناعة يشكّل العامل الأول الذي يسمح باستدامة هذا القطاع، وإلا ستذهب كلّ الجهود سدى، ونكون كمن يشرّع للزراعة وإنّما بواقعها الحالي.
لا شكّ أن عمل الهيئة الناظمة في المرحلة المقبلة سيكون موضوعًا تحت المجهر، ونجاحها سيقاس لا بكمّ التراخيص التي ستمنحها، بل بمدى قدرتها على استعادة ثقة المزارع بالدولة، وثقة المستثمر بالسوق، وثقة المجتمع بمشروع طال انتظاره. وهذا ما يؤمل أن يكون مدخلًا لإصلاح أوسع يشمل كلّ ما يحيط بهذا الملف سواء على الصعيد الأمني والقضائي، أو الإداري، الاجتماعي والسياسي. فهل يكتب لأول هيئة ناظمة تنفّذ قانون تشريع زراعة القنب في لبنان النجاح، أم تضاف تجربتها إلى سجل طويل من الفرص الضائعة؟