Search Icon

أزمات متتالية ... مستحقّات متأخرة وتسعيرة تخطّاها الزمن
مستشفيات لبنان تستغيث فمن يسمعها؟

منذ يوم

من الصحف

أزمات متتالية ... مستحقّات متأخرة وتسعيرة تخطّاها الزمن
مستشفيات لبنان تستغيث فمن يسمعها؟

الاحداث-  كتبت زيزي اسطفان في صحيفة "نداء الوطن:"يموتون على أبواب المستشفيات" عبارة تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى كليشه إعلامية، تتردّد على ألسن الناس وفي العناوين وكأنها حقيقة واقعة من دون التحقّق من صحّتها، عبارة تنعكس سلبا على المستشفيات والقطاع الصحي والمرضى. تعميم، وإن انطلق من واقع مؤلم، يتناسى الجهود الجبّارة التي تبذلها الطواقم الطبّية، والتحدّيات الكبرى التي تواجهها المستشفيات للبقاء صامدة وسط بحر من الأزمات، ويكرّس فقدان الثقة بين المواطن والمؤسّسات الصحية. اليوم المستشفيات تطلق صرخة استغاثة فهل من مستجيب؟

 

المستشفيات تئنّ وترزح تحت أعباء ثقيلة والقطاع الصحي بأطبّائه وممرّضيه يعاني. أزمات مع الجهات الضامنة الرسمية والخاصة وأزمات في الموارد والرواتب وأسعار المعدّات والأدوية وأزمات في تأمين الطاقة. وما هذا سوى غيض من فيض ما تواجهه المستشفيات من تحدّيات رغم مظاهر خارجيّة قد تكون خادعة في كثير من الأحيان.

 

 

بين المستشفيات وشركات التأمين علاقة ملتبسة

مستشفى بخعازي وبشخص مديرته العامة السيدة ريما بخعازي عازار، رفع الصوت ودعا إلى مؤتمر ضمّ نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة د. بيار يارد ونقيب الأطباء د. الياس شلالا ونقيبة الممرضين والممرّضات د. عبير علامة للإضاءة على كلّ تحدّيات المستشفيات في لبنان.

 

السيدة بخعازي أطلقت صرخة موجّهة إلى الدولة للالتفات إلى القطاع الاستشفائي الذي إن أقفل مستشفى فيه يعني انكفاء 400 موظف إلى بيوتهم، دون أن يفتح مستشفى بديل. لقد آن الأوان لتسليط الضوء على قطاع يعاني من أزمات كبرى متلاحقة منذ ست سنوات، من الانهيار الاقتصادي الذي أفقد الليرة اللبنانية قيمتها، إلى جائحة كورونا فكارثة انفجار مرفأ بيروت التي مزّقت قلب العاصمة، وصولًا إلى انفجارات البايجرز التي أسقطت آلاف الجرحى وصولًا إلى الحرب الأخيرة التي زادت الجراح نزفًا، بالإضافة إلى خسارة السياحة الاستشفائية بسبب الحروب وسوء الأوضاع الأمنية. كلّ ذلك، ولم يلتفت أحد جديًّا إلى القطاع. فمستشفيات بيروت التي عالجت آلاف الجرحى إثر انفجار المرفأ وأصابتها أضرار مدمّرة، لم يسألها أحد كيف رمّمت نفسها، ومن ساعدها ماديًّا، أو وقف إلى جانبها، ومن عوّض عليها لتطبيبها مئات الجرحى دون شروط؟

 

 

أسئلة ربّما فات الأوان لطرحها، لكن لا بدّ اليوم من مطالبات تمهّد الطريق للمستقبل، وتبدأ كما تقول السيدة بخعازي عازار بمطالبة الحكومة بفرض رقابة على شركات التأمين وعلى طريقة دفعها مستحقاتها للمستشفيات التي يفترض أن تنالها في غضون 90 يومًا. لكن، قد تمرّ سنة قبل أن تستوفي حقّها. فهل يمكن لبوالص التأمين أن تتضخّم وترتفع إلى حدود 60 % (وتنتقل وفق بعض الأرقام من 98 إلى 112 مليون دولار ) فيما أسعار المستشفيات لا تزال ضمن حدود 60 % ممّا كانت عليه في العام 2016؟ لا بدّ أن تضع الحكومة خطة واضحة لدعم المستشفيات تبدأ بدعم المحروقات والمازوت ورسوم اشتراكات ساعات الكهرباء، وإزالة الرسوم الجمركية عن المعدّات الطبية التي تستوردها المستشفيات، وهي معدّات مرتفعة الثمن إنما ضرورية لمواكبة التطوّر التكنولوجيّ في العالم. بدون دعم من الحكومة أو من القروض المدعومة الطويلة الأمد، لا يمكن لمستشفيات لبنان أن تواكب التطوّر وتستمرّ في لعب دورها كمستشفى الشرق الأوسط. في حين أنّ المواطنين العرب كما اللبنانيين المغتربين، لا يزالون يحبّون المجيء إلى لبنان للحصول على أفضل طبابة واستشفاء.

 

رغم كلّ ما يعانيه القطاع الصحي من مشاكل، يتّفق الجميع على كون لبنان يتمتّع بنظام طبي مرن وعملي يتيح لأي مريض التواصل مع الطبيب بسرعة وفاعلية في أي وقت. كما يتيح له الحصول على مواعيد لإجراء الفحوصات والصور الطبية والحصول على نتائجها بسرعة قصوى، وهذا الأمر الذي لا تعرفه أي بلاد أخرى حيث يتطلب انتظار موعد مع الطبيب أسابيع وأشهرًا أحيانصا.

 

وأخيرًا، تسأل السيدة عازار :أين الرقابة على العيادات الخاصة التي تحوّلت إلى شبه مستشفيات، وعلى المختبرات وغيرها؟ هل وحدها المستشفيات يجب أن تخضع للرقابة، فيما تغيب هذه الأخيرة عن صروح طبية أخرى؟ ألا يجب تنظيم فوضى القطاع الصحي في لبنان للحفاظ على مستواه وتأمين مصداقية تقديماته ودعمه ليستمرّ في تقديم خدمة مميزة تفتقدها البلدان الأخرى؟

 

 

لماذا التشهير؟

بعيدًا من الأمور المادية، تبقى هناك صرخة معنوية تطلقها المستشفيات وتختصرها السيدة بخعازي عازار قائلة: حين يتهجّم علينا مريض أو يهدّدنا بالسلاح أو حتى يتسبّب في أضرار في أقسام الطوارئ يهبّ الرأي العام ومعه بعض الإعلام للتشهير بالمستشفى دون استيضاح حقيقة ما يحصل بحيث يتحوّل المستشفى إلى جانٍ وجلّاد بدل أن يكون ضحيّة الاعتداء.

 

 

والأمر نفسه ينطبق على الأطبّاء، كما يقول النقيب شلالا، فيتمّ التشهير بالطبيب وإعلان اسمه على الملأ في بعض الحالات التي يتم التحقيق فيها، فيما تخفى أسماء المجرمين، وكلّ ذلك قبل أن تصدر نتائج التحقيقات. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى الدور السلبي الذي يلعبه بعض الإعلام عند معالجة قضية الأخطاء الطبية عبر تضخيم المشكلة وعدم التمييز بينها وبين المضاعفات الطبية، فيتمّ تداول مواضيع لا تزال ضمن القضاء على الشاشات وصفحات الجرائد بشكل لا يهدف إلى البحث عن الحقيقة بقدر ما يهدف إلى رفع الرايتنغ عبر رفع درجة الإثارة وتشويه سمعة المؤسسات الاستشفائية والطبية ونشر الذعر بين المواطنين. وكل هذا، ينعكس سلبًا على سمعة هذا القطاع محليًّا وعربيًّا ويؤدي إلى تقويض دور لبنان كمستشفى للشرق كما يساهم في هدّ عزيمة الجسم الطبي. وأكّد النقيب أن تناول موضوع الأخطاء الطبية في الإعلام يجب أن يراعي أوّلًا مصلحة المريض، وأيضًا كرامة الأطباء وصيت المؤسسات الاستشفائية. ولا بدّ من وجود قوانين تنظم العلاقة بين الإعلام والشؤون الطبية منعًا لتناولها بخفّة وبلا مسؤولية.

 

 

ويركّز النقيب شلالا على كلّ ما عاناه ويعانيه الجسم الطبّي والتمريضي. فهو مثل بقية الشعب اللبناني واجه الأزمة الاقتصادية ولم يكن بمنأى عنها وعن تداعياتها. ويقول إنه خلال تحضيره لانتخابات النقابة كان على تماس مع زملاء كثر من خارج بيروت، من المناطق والأطراف. ورأى بأمّ العين كيف يعانون من أحوال مادية سيّئة ويعجزون عن تأمين العيش الكريم لهم ولعائلاتهم ما دفع بالعديد منهم إلى الهجرة بحثًا عن الرزق. وأشار إلى أنّ عدد الأطباء الذين تركوا لبنان يقدّر بـ 25 إلى 30 % ومعهم هاجر عدد أكبر من الممرّضين والممرّضات. ففي مستشفى أوتيل ديو وحدها، هناك أكثر من 150 ممرضة من أصل 350 قد تركن لبنان بحثًا عن ظروف أفضل.

 

 

تمنّى النقيب على الحكومة تفعيل استراتيجية واضحة لدعم المستشفيات والقطاع الصحي وتأمين تمويل مستدام يسمح للمستشفيات بالصمود واستمرار تأمين المعدّات التقنية الحديثة وتأمين الحياة اللائقة للكوادر الطبية والتمريضية من خلال تحسين الرواتب ودفع المستحقات في أوقاتها لتخفيف نزيف الهجرة. وهو الأمر الذي أضاء عليه د. خليل الأشقر ذاكرًا النقص في أعداد الأطباء المختصين الذي تعاني منه المستشفيات نتيجة الهجرة وعدم قدرتها على تأمين البدائل. أما المشكلة الثانية فهي دفع أتعاب الأطباء التي تتأخر من قبل شركات التأمين. ويركّز د. الأشقر على كون الغالبية الكبرى من أطباء لبنان تنحصر أتعابهم بين 50 و 80 دولارًا ولا يتقاضون مبالغ خيالية على خلاف ما يتمّ تداوله في الرأي العام وتقترب الأتعاب بشكل كبير من التسعيرة التي يتبنّاها الضمان الاجتماعي.

 

 

تسعيرة تجاوزها الزمن

عمل نقيب أصحاب المستشفيات د. بيار يارد منذ تسلّمه النقابة على تفعيل العمل النقابي نظرًا لحجم التحدّيات التي تتعرض لها المستشفيات منذ سنوات وللإجحاف الحاصل بحقها وبحق الجسمين الطبي والتمريضي بغية الوقوف إلى جانبهما ودعمهما.

 

وفي هذا الصدد يقول :"اجتمعنا مع مدير الصندوق الوطني للضمان الصحي ووعدنا بوضع لجنة مختصة لإعادة تسعير اليوم الاستشفائي ووضع معايير شاملة. خاصة أن جدول الأعمال الطبية قد وضع منذ العام 1995. واليوم بعد ثلاثين سنة، باتت هناك تقنيات جديدة وعمليات جديدة وحتى اختصاصات جديدة لم يذكرها الجدول. لذا، لا تعترف بها شركات التأمين فيما تطلب الجهات الضامنة الرسمية وضع شيء مشابه لها مذكور في الجدول لكنه أمر صعب لا يمكن اتّباعه في كلّ مرة. لقد وضعت وزارة الصحة في العام 1997 جدولًا بالأعمال الطبية وتكاليف كل عملية، ولكن اليوم هذا الموضوع بحاجة إلى إعادة درس لأنّ التكاليف قد ازدادت على المستشفيات، فالأدوية رفع الدعم عنها، وكلّ المعدّات زادت كلفتها، وشركات الأدوية لا تنتظر أكثر من شهرين حتى تسدّد لها المستشفيات مستحقاتها، فيما المستشفيات تنتظر أشهرًا للحصول على مستحقاتها. لذا، لا بدّ من إعادة تقييم كلّ الأعمال الطبية والاستشفائية لتتمكّن المستشفيات من الاستمرار. قد يقول البعض إننا عدنا إلى ما كنّا عليه في العام 2019. ولكن منذ تلك السنة حتى اليوم، ازداد التضخّم المحلي والعالمي بشكل صارخ، وارتفعت أسعار النقل والمواد الأولية والأجهزة والأدوية والمحروقات، وكلها تؤثر على تكلفة الاستشفاء. ما يعني أن أسعار المستشفيات لا بدّ أن ترتفع أقله بنسبة 30 % لتتمكّن من مواكبة التضخم".

 

 

ويؤكد د. يارد أنّ النقابة ستستمرّ بالعمل للوصول إلى الحدّ الأدنى من زيادة التسعيرة التي تعطي المستشفى منطقة أمان، ولا شكّ أنّ هذا سينعكس إيجابًا على القطاع الصحي. ويقول إن المستشفيات وإن كانت تطالب بالقليل من الأرباح فليس ذلك من باب الجشع بل لتحسين رواتب طواقمها الطبية والتمريضية وتطوير الأجهزة والمعدّات التي تصبح بعد مرور خمس إلى عشر سنوات عتيقة ولا بدّ من تغييرها. ولكن كيف يتم ذلك ولا دعم ماليًّا للمستشفيات ولا حتى قروض من المصارف؟".